عادي
هربت رؤوس أموال ضخمة من أفغانستان وتراجعت المساعدات الدولية

عامان على عودة طالبان.. العنف يتصاعد والنساء يعانين والاقتصاد منهك

20:36 مساء
قراءة 7 دقائق
عامان على عودة طالبان.. العنف يتصاعد والنساء يعانين والاقتصاد منهك

الخليج - متابعات

بعد عامين على عودة حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، عقب حرب استمرت 20 عاماً ضد الولايات المتحدة وحلفائها، تغيرت الحياة بشكل دراماتيكي بالنسبة للعديد من الأفغان وخصوصاً النساء، حيث تعاني البلاد من تصاعد العنف والتفجيرات الإرهابية، فضلاً عن اقتصاد منهك وظروف معيشية صعبة للغاية، وكذلك تضييق الخناق على النساء وحرمانهن من الكثير من حقوقهن الأساسية.

وسيطرت «طالبان» على الحكم في أفغانستان في 15 أغسطس 2021، بعد معارك انهارت فيها القوات الحكومية.

وحققت الحركة خلال العام الأول من حكمها بعض الإنجازات كتراجع أعمال العنف في البلاد إلى حد ما، وعودة كثيرين من القادة السابقين في الجيش والأجهزة الأمنية وحكام أقاليم إلى البلاد.

تصاعد العنف

ولكن في العام الثاني من حكم طالبان تزايد العنف وتوترت الأوضاع بشدة في البلاد. وتعددت التفجيرات التي كان أحدثها الاثنين، حيث أفاد المكتب الإعلامي لإقليم خوست بجنوب شرق أفغانستان، بأن ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص لقوا مصرعهم وأصيب سبعة آخرون في انفجار وقع بفندق في الإقليم، الاثنين. ولم يتضح على الفور الجهة المسؤولة عن الانفجار.

وتشنّ إدارة طالبان الأفغانية هجمات على أعضاء من تنظيم «داعش» الإرهابي «الذي أعلن مسؤوليته عن عدة هجمات كبرى في مراكز حضرية في الأشهر القليلة الماضية».

اقتصاد منهك

وعلى الرغم من مرور عامين، لم تقدم الحركة نموذج نظام سياسي مقبولاً دولياً، كما لم تعتمد دستوراً للبلاد، كما تأثرت البلاد اقتصادياً، حيث هربت رؤوس أموال ضخمة بالتزامن مع تراجع المساعدات الدولية، وتجميد دول أموال أفغانستان لديها، وإحجام بنوك أجنبية عن التعامل مع حكومة طالبان، وأصبح اقتصاد البلاد ضعيفاً ومنهكاً.

وتشير التقديرات إلى أن الاقتصاد خلال حكم طالبان تقلص من 20 إلى 30 في المئة، وفقد عدد كبير وظائفهم، وتفاقم الفقر والجوع، إلا أن طالبان نجحت في العام الأول في تخفيض الواردات، وزيادة الصادرات، ما أنعش سعر العملة الوطنية، لكن عاد التضخم في الارتفاع مع بداية العام الثاني من حكم طالبان، خاصة بعد ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير/ شباط 2022.

تهديدات خطيرة.. داعش خراسان

تحولت أفغانستان في أعقاب الانسحاب الأمريكي من البلاد في 15 أغسطس 2021، وتولي حركة طالبان السلطة هناك، إلى مسرح لانعدام الأمن والاستقطاب. وتُمَثِّلُ أفغانستان اليوم أحد التهديدات الخطيرة للتضامن الإقليمي، حيث يخوض كلٌّ من تنظيم القاعدة وحركة طالبان بفرعيها في أفغانستان وباكستان وتنظيم «داعش-ولاية خراسان» التابع لتنظيم «داعش» الإرهابي، صراعاً للحصول على حصة من الكعكة في أفغانستان، ما أدى إلى تدمير البلاد وتهديد أمن المنطقة بشكل مباشر.

فرصة محدودة

في سبتمبر من العام الماضي، أعرب القائم بأعمال الممثل الخاص للأمين العام لأفغانستان، ماركوس بوتزيل، عن خشيته إزاء نفاد صبر العديد من الجهات في المجتمع الدولي، فيما يتعلق باستراتيجية التعامل مع سلطات طالبان. وحذر مما سيؤول إليه حال البلاد، إذا لم تستجب طالبان لاحتياجات جميع عناصر المجتمع الأفغاني وانخرطت بشكل بنّاء في إطار الفرصة المحدودة للغاية مع المجتمع الدولي.

سوء التغذية

وأصبحت أفغانستان إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يوجد فيها أكثر من 28 مليون شخص، ثلثاهم في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية. وأفادت «الأمم المتحدة» أن أربعة ملايين شخص يعانون سوء التغذية الحاد، منهم 3.2 مليون طفل دون سنّ الخامسة.

تقييد حقوق المرأة

وقد شددت سلطات طالبان قيودها على حقوق النساء والفتيات، وعلى وسائل الإعلام منذ سيطرتها على أفغانستان، وحرمت النساء والفتيات من حقّهن في التعليم، والعمل، والتنقل، والتجمع. وفرضت طالبان رقابة واسعة على وسائل الإعلام وعلى الحصول على المعلومات، وزادت من اعتقال الصحفيين والمنتقدين الآخرين.

وإلى جانب عقود من الحرب والظواهر الجوية القاسية وتفشي البطالة، كانت القيود الصارمة المفروضة على حقوق النساء والفتيات سبباً رئيسياً لانعدام الأمن الغذائي منذ تولّي طالبان السلطة. كانت النتيجة فقدان الكثير من الوظائف، لا سيما فصل العديد من النساء من وظائفهن، وحظر عمل النساء في المنظمات الإنسانية، باستثناء مناطق محدودة. النساء والفتيات محرومات من التعليم الثانوي والعالي.

في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2022، حظرت طالبان عمل النساء مع كافة المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، منها الأمم المتحدة، مع استثناءات في مجالات الصحة والتغذية والتعليم. أضرّ ذلك بشدة بمصادر رزق النساء، حيث يستحيل التأكد من تلقيهن للمساعدات إذا لم يشاركن في عمليات التوزيع والمراقبة. أضرّت الأزمة بشكل غير متناسب بالنساء والفتيات، اللاتي يعانين بالفعل للحصول على الغذاء والرعاية الصحية والسكن.

4 نماذج

وعشية ذكرى سقوط كابول في 15 آب/ أغسطس، يشرح أربعة أفغان، هم سيدة أعمال مصممة على إبقاء مشغلها مفتوحاً، ومزارع سعيد بانتهاء الحرب، ومقاتل سابق في طالبان فخور بخدمة الحكومة، وطالبة طبّ أُرغمت على التخلي عن دراستها، لوكالة «فرانس برس» انعكاسات التغيرات عليهم.

سيدة أعمال

شعرت أريزو عثماني «بالهلع والحزن» لعودة طالبان إلى السلطة متعهدين بتطبيق تفسير صارم للشريعة مُنعت بموجبه النساء من عدة مجالات في العمل والتعليم.

وقالت السيدة البالغة 30 عاماً، والتي أسست شركة لإنتاج الفوط الصحية في 2021 «لم أغادر غرفتي لعشرة أيام، ظننت أن كل شيء انتهى بالنسبة لي، وأن الأمر كذلك لجميع الأفغان».

وأضافت «لكن عندما خرجت ورأيت الناس يواصلون أمور حياتهم، أعطاني ذلك الأمل وقلت لنفسي أن عليّ أن أبقى هنا أنا أيضاً».

أغلقت مشغلها الذي كان يوظف 80 امرأة في ذروة نشاطه، وسط إرباك ألمّ بالبلاد عقب سيطرة طالبان.

غير أنها أعادت فتح أبواب المرفق بعد شهرين، لأنه كان أحد الأماكن القليلة المتبقية «حيث بإمكان النساء أن يعملن».

تحت حكم طالبان أُخرجت النساء من غالبية الوظائف في الحكومة وفي منظمات غير حكومية. والشهر الماضي أغلقت صالونات التجميل، مصدر الدخل الآخر الرئيسي للنساء المضطرات لكسب لقمة العيش.

وشرحت «تكيفنا ببطء مع هذه الظروف، ولحسن الحظ كوننا شركة تعمل في مجال الصحة، تمكنّا من مواصلة العمل، أشعر بارتياح الآن». ولا تزال عثماني توظف 35 امرأة لكن المشترين قلائل.

وقالت «حالياً ليس لدينا عقود، ولا مشترون... وإذا لم نتمكن من بيع الفوط الصحية سيكون من الصعب مواصلة العمل، لكننا نبذل جهدنا للصمود».

ورغم التحديات تقول إنها ما زالت مصممة على بذل إمكانيتها من أجل وطنها ونسائه بشكل خاص.

وشددت على أن «أفغانستان ومجتمعنا يحتاجان لأشخاص يبقون هنا مثلنا».

مزارع سعيد بانتهاء الحرب

يبدي راحة الله عزيزي امتنانه لتحسن الوضع الأمني عقب انتهاء الحرب. والآن، وفيما يعتني الرجل البالغ 35 عاماً بمزرعته الصغيرة في ولاية باروان شمال كابول بإمكانه «التنقل نهاراً وليلاً من دون الشعور بالقلق، الحمد لله».

وقال «حدثت الكثير من التغييرات» منذ آب/ أغسطس 2021، ويضيف «في الماضي كانت الحرب، والآن الوضع هادئ».

نتيجة النزاع المسلح قُتل قرابة 38 ألف مدني وجُرح أكثر من 70 ألف شخص بين 2009 و2020 فقط، بحسب التقرير السنوي لبعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (أوناما).

فاقتصاد أفغانستان المنهك بسبب عقود من الحرب، تعرض لأزمة بعد وقف مساعدات دولية بمليارات الدولارات عقب استيلاء طالبان على الحكم.

وانهار الإنتاج الاقتصادي وغرق قرابة 85 في المئة من السكان في براثن الفقر، وفق التقرير الأخير لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية. كما اجتاح الجراد والجفاف المحاصيل.

وقال عزيزي «الناس ما عادوا يشترون الكثير من منتجاتنا»، مشيراً إلى أنه يستأجر أرضاً تزيد مساحتها قليلًا على هكتار ويزرعها.

وأضاف «كنت أبيع سبعة كيلوغرامات من الطماطم لقاء 200 من عملة أفغاني المحلية (دولاران)، لكني اليوم أبيع تلك الكمية مقابل 80 (أفغاني)».

وأوضح أنه كان يكسب مدخولاً من محاصيل الحبوب، لكن ذلك توقف.

وشرح قائلاً «اليوم لديّ بالكاد ما يكفي لكسب لقمة العيش، لا أستطيع الادخار». ويأمل عزيزي في إرسال طفليه إلى الجامعة، ليحصلا على التعليم الذي لم يتلقَّه.

مقاتل سابق

يرى لال محمد (23 عاماً) أن عودة طالبان جلبت المزيد من الاستقرار الاقتصادي.

انضم محمد لحركة طالبان قبل أربع سنوات عندما كان الانضمام لصفوف الحركة المسلحة المتمردة يعني الغياب المستمر عن المنزل. والآن أصبح شرطياً في قندهار، ثانية أكبر مدن البلاد، ويكسب راتباً من 12,000 أفغاني (142 دولارًا) شهرياً، «يكفي» لاحتياجات عائلته.

عنصر الأمن في حركة طالبان لال محمد، مع سعادته بالحصول على راتب شهري، يقول «لا أحلم باقتناء سيارات أو جني المال».

ويشرح «حلمي كان الدراسة والخدمة في حكومة الإمارة الإسلامية. وسأبقى معها حتى النهاية» في إشارة إلى الاسم الذي تطلقه طالبان على الحكومة. ويؤكد «الحمدلله أنهم عادوا».

تشكلت طالبان في قندهار (جنوب) وحكمت أفغانستان بين 1996 و2001.

وقال «نحن سعداء جداً، ليس لدينا أي مشكلات، ليس هناك حرب ولا معارك... نخدم الإمارة وشعبنا».

أمل طبيبة

كانت همسة بوار تتوق، لأن تصبح طبيبة في أفغانستان. ولكن منذ سيطرة طالبان على الحكم ومنعها النساء من التعليم الجامعي، لا ترى أملاً إلا في الخارج.

قالت الشابة البالغة 20 عاماً، والمقيمة في مزار شريف بشمال أفغانستان إن «إغلاق الجامعات مروّع، ليس فقط لي إنما لجميع زملائي. إننا محطمون وهذا أسوأ ما نتخيل أن يحدث لنا، لكنه حصل».

وتابعت «إذا كانت الفتاة متعلمة تكون أسرتها كلها متعلمة، وإذا كانت الأسرة متعلمة يكون المجتمع كله متعلماً... إذا لم نكن متعلمين يصبح جيلاً بأسره أميّاً».

وتشرح «لأنني أريد مستقبلاً تعليمياً أفضل لي، لا خيار لي سوى مغادرة أفغانستان».

وقالت بوار إن هناك «فرقاً كبيراً» بين الحكومة السابقة المدعومة من الولايات المتحدة وحكومة طالبان التي لم يعترف بها المجتمع الدولي.

وأوضحت «كانت هناك مساحة كبيرة من الحرية، الآن لا يمكننا الذهاب إلى المسجد الأزرق (ضريح شهير تحيط به حدائق) للترفيه... معظم الأنشطة محظورة على النساء والفتيات حالياً».

والدة بوار معلمة في مدرسة ابتدائية، المستوى الذي يتوقف عنده تعليم الفتيات.

وقالت «هذا ليس فقط ما أريده، بل جميع الفتيات والنساء في أفغانستان يردن أن تعاد لهنّ حريتهن».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/msnyjwb3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"