قبل فوات الأوان

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

مع دخول حرب السودان شهرها الخامس يتضح أن هذه الأزمة تتجه إلى أن تكون مطية للتعقيدات، وتتقاذفها الأهواء الدولية والمزاعم الخبيثة بما يهدد باتساع هذا الصراع إلى أمد غير معلوم. وبالنظر إلى النتائج التي خلفتها هذه المأساة بات مطلوباً أكثر من أي وقت مضى البحث عن حل يجنب السودان والمنطقة العربية وإفريقيا تداعيات خطيرة وعواقب كارثية.

بعد أكثر من أربعة أشهر من الاقتتال السوداني، آن لأصوات المدافع أن تسكت، وأن يجلس طرفا الصراع بجدية إلى طاولة الحوار من جديد، للوصول إلى حلول تُرضي الجميع، وتحفظ وحدة البلاد، وتُنهي هذه الحرب الأهلية المدمرة.

لقد حوّل الصراع ملايين السودانيين إلى نازحين ولاجئين، وخلّف أزمة إنسانية عميقة مع حاجة الكثير منهم إلى مساعدات غذائية وإنسانية عاجلة، فضلاً عن الرعاية الطبية، في بلد كان يعاني أصلاً وضعاً اقتصادياً متردياً، وغابت عنه التنمية على مدى الثلاثين عاماً الماضية.

لتجنيب السودان، الذي كان يُعد الأكبر مساحة في إفريقيا والعالم العربي قبل أن يفقد نصف أراضيه إثر انفصال جنوب السودان، المزيد من التفتت ينبغي للأطراف وضع ذلك في الحسبان قبل فوات الأوان، لأن هذا الخطر يزداد يوماً بعد آخر، فالحرب المستعرة تزيد شقة الخلاف، وتعزّز التصلّب في المواقف، وترفع من احتمالية التشظي بإحياء الروح القبلية والعِرقية والمناطقية والفئوية، ما يهدد بانفصال أو انفصالات جديدة، على اعتبار أنه لا أحد يريد أن يخرج خاسراً من هذه الأزمة، فيما يريد البعض تحقيق مآربه الضيقة تحت غبار المعارك. مع عدم نسيان أن الأطماع الخارجية ما زالت خطراً ماثلاً، ليس في السودان أو بعض أقاليمه فحسب، بل في قارة إفريقيا عموماً، في ظل استعداد أطراف خارجية لتغذية هذا الصراع للوصول إلى غاياتها بالسيطرة على خيرات البلاد وتسخيرها لمصلحتها على حساب الشعب السوداني، الذي عانى وما زال يعاني شظف العيش وغياب الاستقرار وانعدام التنمية.

لم تكن الهُدن والاتفاقات السابقة بين طرفي الصراع كفيلة بإيجاد أرضية لحوار واقعي يُفضي إلى تفاهمات طويلة الأمد بين الجيش وقوات الدعم السريع، لأن الوضع الميداني فيه الكثير من التعقيد، ولتحقيق ذلك ينبغي تقديم تنازلات حقيقية للوصول إلى حالة من التوازن كي تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الأزمة، حيث اتفاق تقاسم السلطة بين الطرفين المدني والعسكري، وما يرتبط بذلك من عودة عجلة الحياة التي تعاني الشلل التام منذ اندلاع المواجهات المسلحة منتصف إبريل الماضي.

إن بلداً اعتُبر يوماً سلة الغذاء العربي يستحق وقفة عربية جادة لتضميد جراحه عبر مبادرة تبني على جهود الأشقاء، وتراعي مصالح الشعب السوداني، وترضي جميع الأطراف، وتحفظ وحدة التراب، وتُعيد ما تشتت من شمل. ويتأتى ذلك عبر طاولة حوار جامع يفضي إلى اتفاقات ملزمة لوقف إطلاق النار، وإطلاق عملية سياسية شاملة ترعاها الجامعة العربية والأطراف الضامنة، لوقف التدهور، واقتلاع الأزمة من جذورها، ووضع البلاد على سكة السلام والاستقرار والتنمية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5x5xwmm6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"