«بريكس» وعصر السرعة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

تتجه الأنظار، على مدى ثلاثة أيام، إلى جنوب إفريقيا؛ حيث تنعقد قمة مجموعة «بريكس»، التي بدأت ترسخ نفسها، كقطب صاعد في السياسة الدولية، بدفع من قوتين عظميين؛ هما روسيا والصين. ومن المتوقع أن تسفر قمة جوهانسبورغ عن قرارات تاريخية بشأن توسع المجموعة بضم أعضاء جدد، ومناقشة التقليل من الاعتماد على الدولار الأمريكي في التبادل التجاري لمصلحة العملات الوطنية.

منذ الإعلان عن هذه القمة وحتى انعقادها، سال حبر كثير، وأدلى خبراء ومحللون بآراء مساندة أو مناوئة لهذه المجموعة، لكن الأغلبية الساحقة باتت ترى في هذه المجموعة حقيقة تترسخ في النظام الدولي بسرعة كبيرة، وباتت تثير قلق القوى التقليدية في الغرب السياسي، الذي يجمع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ومجموعة «السبع»، وكلها عناوين لتركيز القوة العالمية، اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، لدى قطب واحد تتزعمه واشنطن. وفي نظر القوى المؤسسة ل«بريكس»، فإن هذه القاعدة لم تعد تواكب مستجدات التطور الجيوسياسي، وأصبح لزاماً هدمها لإعادة بناء منظومة دولية جديدة، تقصي نزعات الهيمنة والاستفراد بالقرار، وتسعى إلى إنشاء ميثاق للتعايش العالمي.

المعسكر الغربي يحاول تجميع كل قواه وما أمكن من تحالفات، لتحصين خطوط دفاعه المهددة، وينظر بقلق بالغ لقمة «بريكس» الخامسة عشرة، لا سيما أنها تنعقد في جنوب إفريقيا، التي كانت قبل ثلاثة عقود حليفاً رئيسياً للقوى الاستعمارية السابقة، قبل أن تطيح نظامها العنصري، وتنقلب على ماضيها الأسود، وتختار التحالف مع القوى المناوئة للهيمنة الغربية، وفي طليعتها روسيا والصين. وانعقاد هذه القمة في إفريقيا مشحون بالدلالات السياسية والاستراتيجية، فهذه القارة أصبحت ميدان المواجهة الرئيسي بين الغرب والشرق، وما يجري من صراعات وأحداث وانقلابات يعد جزءاً من هذه المعركة، ولم تعد خافية حالة النبذ المتنامية في إفريقيا ضد القوى الغربية، ومنها على الخصوص فرنسا والولايات المتحدة، مقابل ترحيب وارتياح واسعين بالحضور الروسي- الصيني، عسكرياً واقتصادياً، ومن ينجح في استمالة إفريقيا، يكسب قلوب أبنائها، ويستطيع أن يذهب بعيداً في معركة السيطرة على المستقبل، واحتلال موقع مكين في النظام الدولي المتعدد الأقطاب.

الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي يعد نجم القمة مع تعذر حضور نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لا يخفي غبطته بما حققته مجموعة «بريكس» في أربعة عشر عاماً، فالمجموعة التي بدأت بخمس دول؛ هي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ها هي تستقطب عشرات الدول، وأغلبها دول ناهضة اقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً، وتريد أن تكون عنصراً فاعلاً في هذا الفضاء الواعد. ولا يخفى الدور الذي لعبته الصين وروسيا في هذا الاستقطاب، بحرصهما على انتهاج سياسة تتفاعل مع الآخرين، وتبتعد عن لغة الإملاء والهيمنة والتدخل التي دأبت عليها القوى الغربية.

قمة «بريكس» في جوهانسبورغ تاريخية بكل المقاييس، وستكون نتائجها انعكاساً للتغيرات التي تضرب العالم، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا وأزمات الطاقة والاقتصاد. كما ستضع هذه القمة نقطة واضحة تشير فعلياً إلى تراجع سطوة القطب الواحد، ونهاية عصر، وبداية حقبة جديدة تتسم بالسرعة والكفاءة والإنجاز.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/msy9smtw

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"