أَنْ تُندّد الدول الغربية بالانقلابات التي وقعت في القارة الإفريقية مؤخراً، وخصوصاً في النيجر والغابون، فذلك أمر طبيعي، لأنها خسرت في غضون عامين مواقع لها في ست دول كانت تُعد ركيزة لها في القارة السمراء في إطار الاستحواذ على ثرواتها، وأيضاً في إطار الصراع الدولي المحتدم على القارة التي تعد ثروة جيواستراتيجية مهمة.
لكن أن تتباكى الدول الغربية على الديمقراطية التي تم إسقاطها، ودعوتها إلى عودة المؤسسات الدستورية المنتخبة ففيها شيء من الزيف وعدم الصدقية، لأن هذه الدول كانت شريكة في وأد العديد من الديمقراطيات والانقلاب عليها، بل قتل قياداتها، لأنها كانت تناصبها العداء السياسي، ثم إنها في الأساس ومن خلال دورها الاستعماري على مدى قرون لم تدفع للقيام بديمقراطيات حقيقية في إفريقيا، بل جُل ما قامت به هو المساعدة على تحولات شكلية مع الإبقاء على حضورها السياسي والاقتصادي، مع نفوذ واسع من خلال قواتها وشركاتها الاستثمارية الضخمة، والإتيان بقيادات موالية لها تحقق مصالحها من خلال صندوق الانتخاب المشكوك في نزاهته، لذلك فإن هذه «الديمقراطية» ظلت مجرد شعار، لأنها لم تحقق للأفارقة صحة التمثيل ولا العدالة، ولا أي نصيب في ثرواتهم التي نهبتها الكارتيلات الغربية الكبرى، ولا خففت عنهم الفقر ولا البطالة ولا الجوع، إنما أغرقتهم في الفساد والمحسوبيات، وفرضت عليهم الهجرة بالملايين بحثاً عن أمل جديد في الحياة، ثم واجهوا الصد أو الغرق في مياه البحر الأبيض المتوسط.
لا يحق للدول الغربية البكاء على الديمقراطية واللبن المسكوب، لأنها هي التي تسببت في هذه الانقلابات، وهي التي دفعت الجيوش في الدول الإفريقية إلى التحرك على أمل تغيير الوضع. ولعل التأييد الشعبي لهذه الانقلابات الجديدة يمثل برهاناً على شوق الأفارقة للتغير، لعله يحقق لهم بعض آمالهم.
لذا، يمكن فهم التنديد الأوروبي بهذه الانقلابات، ليس خوفاً على الديمقراطية، بل خوفاً على مصالحه التي تتبخر، وعلى نفوذه الذي يتهاوى في مواجهة تعاظم النفوذ الصيني والروسي، والحضور القوي للبلدين سياسياً واقتصادياً وأمنياً بما يتعارض مع سياسات غربية قامت في القارة على الهيمنة، والاستحواذ، والتسلط.
وإذا كانت القارة الإفريقية تشهد تحولاً في إطار التحولات التي يشهدها العالم، فهذا أمر طبيعي، لأنه جزء من معركة تُدار الآن على مستوى الكرة الأرضية من أجل قيام نظام عالمي أكثر عدالة وإنصافاً يعطي دول الجنوب، ومنها الدول الإفريقية الحق في اختيار أنظمتها وسياساتها، وحقها في التنمية والعدالة، واسترداد بعض حقوقها المنهوبة.
قد تتعرض الدول الإفريقية المعنية للانتقام من خلال فرض عقوبات اقتصادية عليها، وقد تتعرض للحصار، وقد تواجه أزمات اجتماعية تؤثر في حياة شعوبها، لكنها في كل الحالات لا تعيش حياة رخاء، وهي قادرة على تحمل المزيد للخروج من ربقة ديمقراطية شكلية تؤمّن استمرار عمليات النهب والإفقار. كما أن هذه الدول لن تُترك وحيدة، بل ستلقى الدعم من الصين وروسيا لتمكينها من الصمود.