من أجل آسيا والمحيط الهادئ

22:59 مساء

أرميدا سالسيا أليسجبانا*

يواجه العالم منذ مدة حالة طوارئ استثنائية، تمثل منها منطقة آسيا والمحيط الهادئ النصيب الأكبر. حيث تزداد الكوارث الناجمة عن تغير المناخ تواتراً وشدة، الأمر الذي أودى بحياة نحو مليوني شخص منذ عام 1970 حتى يومنا هذا.

وبشكل مأساوي، ولكن متوقع للغاية، كانت البلدان الأفقر والأقل نمواً الأكثر تضرراً من الكوارث المناخية. فقد وجدت نفسها في قلب العاصفة مع ارتفاع درجات الحرارة، وظهور بؤر ساخنة جديدة للكوارث، فضلاً عن زيادة المخاطر الحالية.

وما لم نغير نهجنا بشكل أساسي لبناء وتعزيز القدرة على الصمود في وجه المخاطر البيئية، فإن ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية إلى درجتين سيجعل التكيف مع الكوارث وتجنبها أمراً غير ممكن، لدرجة قد تتخطى فيها تلك المخاطر قريباً قدرة الشعوب والحكومات على الصمود في كامل آسيا والمحيط الهادئ.

وإذا ما تأملنا قليلاً في ما قد يعنيه الطقس المتطرف وارتفاع درجات الحرارة أقل من درجتين مئويتين أو نحو ذلك، سنكتشف أن عدد الوفيات المرتبطة بالكوارث المناخية سيرتفع لا محالة، وكذلك التكلفة السنوية للخسائر ذات الصلة، التي من المتوقع أن تزداد إلى نحو تريليون دولار أو 3% من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي، من 924 ملياراً اليوم أو 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي، ما يقوض الإنتاجية ويُعرّض التنمية المستدامة للخطر.

وفي أفقر أجزاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ، كالدول الجزرية الصغيرة النامية، ستصبح الكوارث محركاً رئيسياً لعدم المساواة. وسيكون مشهد الخسائر أكثر مأساوية بشكل خاص في قطاعي الزراعة والطاقة، ما يبشر بتعطيل النظم الغذائية وتقويض الأمن الغذائي بالإضافة إلى تعريض إمدادات الطاقة والإنتاج للخطر. أضف إلى ذلك تسارع التدهور البيئي وفقدان التنوع البيولوجي، الأمر الذي يترافق مع انقراض الكائنات الحية المدفوع أيضاً بتغير المناخ وزيادة مخاطر الكوارث الناجمة.

ولتجنب هذا النمو المتسارع لمخاطر الكوارث المناخية، هناك بارقة أمل ضيقة من الفرص لزيادة المرونة وحماية مكاسب التنمية التي تحققت بشق الأنفس. ولاغتنامها، نحن بحاجة إلى قرارات جريئة تمهد الطريق أمام «التكيف التحويلي»، فلم يعد من المجدي تسويف هذه المسائل المهمة.

ومن القرارات المعنية بالحد من مخاطر الكوارث المناخية، إعطاء الأولوية للاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر ضمن أكبر مساحة ممكنة في أقل البلدان نمواً، وذلك لخفض أعداد الضحايا. إذ يمكن لأنظمة الإنذار المبكر أن تنقذ الأشخاص الذين يعيشون في النقاط الساخنة متعددة المخاطر، وتقلل من خسائر الكوارث بنسبة تصل إلى 60%، وتحمي النظم الغذائية، وهي العمود الفقري لاقتصاداتنا، وتوفر عوائد بعشرة أضعاف على الاستثمار ذاته.

ولتحسين استجابة المجتمعات لتنبيهات الإنذار المبكر، التي يتم تقديمها من خلال الاستخدام العالمي الموسع لبيانات الأقمار الصناعية والمضمنة في سياسات إدارة المخاطر الشاملة، يجب أن تكون الاستثمارات على المستوى المحلي جزءاً من نهجنا المستقبلي في مكافحة التغير المناخي.

ومن المهم أن تكون الحلول القائمة على الطبيعة في قلب استراتيجيات التكيف. فهذه الحلول تدعم الإدارة المستدامة والحماية واستعادة البيئات المتدهورة، فكلما حافظنا على النظم البيئية الوظيفية في حالة جيدة تعززت آليات الحد من مخاطر الكوارث. وهذا يعني الحفاظ على الأراضي الرطبة والسهول الفيضية والغابات لتكون حواجز حماية من المخاطر الطبيعية، والحفاظ على أشجار المانغروف والشعاب المرجانية للحد من الفيضانات الساحلية.

وبعيداً عن هذه الأولويات، يمكن فقط للتكيف التحويلي أن يحقق التغيير المنهجي اللازم لإدارة النقاط الساخنة المرتبطة بالمخاطر المذكورة. وسيشمل هذا التغيير مجالات السياسة العامة، وهو ما يعني مواءمة الحماية الاجتماعية وتدخلات تغير المناخ لتمكين الأسر الفقيرة الأكثر عرضة لخطر التغير المناخي من التعايش وحماية أصولهم وسبل حياتهم. وبالتالي يجب أن يصبح الحد من مخاطر الكوارث والتكيف مع تغير المناخ مكملين لبعضهما، وذلك لجعل أنظمة الغذاء والطاقة أكثر مرونة لا سيما في المناطق القاحلة والسواحل المعرضة للكوارث. كما يمكن للتقنيات، مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، تحسين دقة تنبؤات الطقس والتحذير من الكوارث في الوقت الفعلي.

ولتحقيق ذلك، يجب توسيع نطاق آليات تمويل مخاطر الكوارث المبتكرة وزيادة المخصصات بشكل أكبر لسد الفجوة، وعلينا أن نتذكر أن الاستثمارات الأولية والوقائية تكون أكثر فعالية من حيث التكلفة مقارنة بالإنفاق بعد وقوع الكارثة. وتجدر الإشارة إلى أن المستوى الحالي لتمويل التكيف التحويلي أقل بكثير من مبلغ 144.74 مليار دولار المطلوب لجذب الاستثمار الخاص وتقليل المخاطر وخلق أسواق جديدة.

لقد حان الوقت للعمل معاً، للبناء على الابتكار والاختراقات العلمية لتسريع التكيف التحويلي في جميع أنحاء المنطقة. وهناك حاجة إلى استراتيجية إقليمية تدعم الإنذارات المبكرة للجميع لتعزيز التعاون من خلال آليات الأمم المتحدة الراسخة، وبالشراكة مع المنظمات الحكومية الدولية.

وفي اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ، نحن على استعداد لدعم هذه العملية في كل خطوة، لأن مشاركة أفضل الممارسات وتجميع الموارد يمكن أن يحسنا المرونة الجماعية في منطقتنا والاستجابة للأخطار المتعلقة بالمناخ. فلا يمكن تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030 إلا إذا تأكدنا من أن القدرة على الصمود ستنتصر على مخاطر الكوارث. فلننتهز اللحظة ونحمي مستقبلنا في آسيا والمحيط الهادئ والعالم.

* نائبة الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ. (أوراسيا ريفيو)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2hehn6b6

عن الكاتب

نائبة الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"