تركيا ـ روسيا على مفترق طرق

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

اللقاء الذي ترقّبه كثيرون بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، يوم الرابع من سبتمبر/ آب، في مدينة سوتشي الروسية انتهى مخيباً لآمال الكثيرين.

 وصف الأتراك، بمسؤوليهم وإعلامهم، اللقاء بأنه سيكون «تاريخياً». ذلك أن المادة الأهم التي كانت على جدول الأعمال هي سبر احتمالات استئناف العمل باتفاقية الحبوب الأوكرانية التي وقّعت قبل نحو عام، بمشاركة أوكرانية وروسية وتركية، وبرعاية الأمم المتحدة. وكانت السفن تنطلق من الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود، وتتجه إلى تركيا، حيث يتم التأكد من حمولتها من قبل مراقبين من الدول الثلاث، والأمم المتحدة.

 لكن الرئيس الروسي بوتين أعلم أطراف الاتفاقية أنه سينسحب منها في 17 يوليو/ تموز الماضي، وأنه سيعتبر كل سفينة تغادر موانئ أوكرانيا هدفاً حربياً محتملاً، وبذلك توقف العمل بالاتفاقية.

 حجة روسيا للانسحاب من الاتفاقية كانت أن الغرب لم يفِ بوعوده، بل خدع روسيا، حيث إن 44 في المئة من حمولات الحبوب كانت تذهب إلى الدول الأوروبية الغنية، ولا يصل منها إلى الدول الفقيرة سوى القليل.

 وما لم يقله بوتين أفصحت عنه الأوساط الروسية، وهو أن روسيا كانت تعترض على الحصار الذي تفرضه الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة على صادرات الحبوب والزراعة الروسية، ولا تدخل أموالها عبر نظام «السواب» العالمي، ما جعل هذه الصادرات شبه محظورة لتصل إلى الدول الأوروبية. كذلك فإن السفن الروسية لا تُقبل في الموانئ الأوروبية، ولا يشملها نظام التأمين العالمي. فإذا كان كل هذا مفروضاً بالحصار على روسيا، وإذا كانت الحبوب الأوكرانية لا تصل بصورة عادلة إلى كل العالم، فلماذا تُبقي روسيا على اتفاقية الحبوب التي لا يستفيد منها عملياً، أو بالنسبة الأكبر، إلا الغرب فقط؟

 ضرب بوتين ضربته بعدما وجد أن الغرب لا يعير اهتماماً ولو بجزء من المصالح الروسية. من هنا كانت محاولة أردوغان أن يتوسط لدى روسيا للعودة إلى اتفاقية الحبوب، ومن هنا كانت أنظار العالم متجهة إليه.

 ذهب أردوغان إلى بوتين بتوقعات عالية، وإن على حذر. فاستئناف العمل بالاتفاقية يرفع من مكانة تركيا العالمية، ولاسيما في الغرب، ويجعل منها الوسيط الوحيد الذي يستطيع التحدث إلى طرفي النزاع في أوكرانيا. ومن شأن إحياء الاتفاقية توقع انتصار كبير لتركيا، لا سيما في عهد وزير الخارجية الجديد حاقان فيدان، والأول بعد إعادة انتخاب أردوغان للرئاسة في نهاية مايو/ أيار الفائت.

 لذا، بذل فيدان كل جهد لإحياء الاتفاقية. زار أوكرانيا وإيران وروسيا ممهداً الطريق لزيارة أردوغان إلى سوتشي.

 ولكن الرياح لم تجر كما اشتهت السفن التركية والغربية. وتبين أن أردوغان لم يحمل معه إلى سوتشي أي تجاوب غربي لأي من المطالب الروسية، رغم انقضاء شهر ونصف الشهر على وقف العمل بالاتفاقية.  تعليقات الأوساط البحثية التركية توحي بأن أردوغان بات ينظر إلى روسيا كما لو أنها محكومة لتركيا، وبأن بوتين سينزل عند خاطر «صديقه» أردوغان حماية للمصالح المشتركة بين البلدين، وبالتالي ذهب أردوغان خالي اليدين. غير أن أردوغان فوجئ بأن نظرة بوتين نفسها إلى تركيا هي التي تغيرت، ولم تعد ترى في أنقرة الشريك الذي لا يمكن الاستغناء عنه. وهذا التحول في النظرة الروسية جاء على خلفية التراجعات الروسية في ميادين القتال، وفي العناد التركي في سوريا، حيث لم يقدِم أردوغان، ولو كرمى لعيون «صديقه» الروسي، على أي خطوة تفتح أمام تطبيع العلاقات مع سوريا. فضلاً عن أن أردوغان خرج هو، وليس بوتين، منتصراً من الحرب الأذربيجانية – الأرمنية.

 وأخيراً جاء التحول التركي المنحاز للغرب ضد روسيا في قمة فيلنيوس الأطلسية، عندما وافقت على انضمام السويد وإطلاق سراح خمسة من قادة كتيبة أزوف النازية الأوكرانية إلى كييف، فضلاً عن افتتاح شركة مشتركة مع أوكرانيا لإنتاج المسيّرات. وفوق هذا وذاك، خرج السفير الأمريكي في تركيا، جيف فليك، بصورة مشتركة على ظهر سفينة حربية أمريكية راسية في ميناء تركي، مع مهندس المسيّرات التركية سلجوق بيرقدار، وهو صهر أردوغان ودوّن عليها عبارة «معاً نكون أقوى».

 العلاقات التركية – الروسية في عنق الزجاجة، وعلى مفترق طرق، ولذلك انعكاساته في كل ساحات التعاون والصدام المشتركة من البحر الأسود إلى سوريا، فالقوقاز، فليبيا، وغيرها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"