الصين وإفريقيا

حقبة جديدة من الارتباط الاستراتيجي
22:31 مساء
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 8 دقائق
4
4
1

عن المؤلف

الصورة
1
ديفيد شين وجوشوا آيزنمان
* ديفيد شين أستاذ الدراسات الإفريقية في كلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، وهو باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط. خدم في وزارة الخارجية الأمريكية لمدة سبعة وثلاثين عاماً، بما في ذلك سفيراً إلى بوركينا فاسو وإثيوبيا.
*جوشوا آيزنمان أستاذ مشارك في السياسة في كلية كيو للشؤون العالمية بجامعة نوتردام وزميل أول في الدراسات الصينية في مجلس السياسة الخارجية الأمريكي. من مؤلفاته «الثورة الخضراء في الصين الحمراء: الابتكار التكنولوجي والتغيير المؤسسي والتنمية الاقتصادية في ظل الكومونة» (كولومبيا- 2018).
  • بكين أنشأت شبكة تحت اسم مجتمع المستقبل المشترك الصيني الإفريقي

تأليف: ديفيد شين وجوشوا آيزنمان

عرض وترجمة: نضال إبراهيم

منذ وصول شي جين بينغ إلى السلطة في عام 2012، تطورت علاقات الصين مع إفريقيا بشكل كبير، وخصصت بكين المزيد من الموارد للدول الإفريقية، كما وسعت التعاون العسكري، والاستثمار التكنولوجي، والبرامج التعليمية والثقافية، فضلاً عن توسيع نفوذها السياسي.

يتناول هذا الكتاب، الصادر عن مطبعة جامعة كولومبيا في 2023 باللغة الإنجليزية ضمن 504 صفحات، العلاقات السياسية والأمنية المعاصرة بين الصين وإفريقيا. لا يشرح الكتاب التكتيكات والأساليب المحددة التي تستخدمها بكين لبناء علاقاتها الاستراتيجية مع النخب السياسية والعسكرية الإفريقية فحسب، بل يضعها في سياقها ويفسرها ضمن الاستراتيجية الجيواستراتيجية الأوسع للصين. ويشير إلى أن أولويات القادة الصينيين - بما في ذلك الخلط بين التهديدات التي يتعرض لها الحزب الشيوعي والتهديدات التي تواجه البلاد، والتركيز المتزايد على العلاقات في الجنوب العالمي، وعلى مواجهة الهيمنة الأمريكية - قد تضافرت لرفع أهمية إفريقيا بين صانعي السياسات في بكين.
 الأهمية الجيوستراتيجية لإفريقيا
 من الدبلوماسية والدعاية إلى مبيعات الأسلحة والتعاون في مجال الفضاء، ومن الزيارات العسكرية للموانئ البحرية المتكررة بشكل متزايد في إفريقيا إلى العدد المتزايد من الطلاب الأفارقة الذين يدرسون في الصين، يقدم هذا الكتاب تحليلاً شاملاً للعلاقات العميقة بين الصين وإفريقيا. وبالاعتماد على عقدين من البيانات المنهجية ومئات الدراسات الاستقصائية والمقابلات الشخصية، ألقى المؤلفان ضوءاً جديداً على حالة العلاقات الصينية الإفريقية اليوم، ويتطرقان إلى توقعات بشأن ما قد يخبئه المستقبل.
  يقول المؤلفان: «على الرغم من أن معظم المحللين في بكين اعتبروا إفريقيا على مدى عقود من الزمن منطقة جيوسياسية راكدة، إلا أن العلاقات مع القارة اليوم، برزت باعتبارها حجر الزاوية في ارتباط القوى الكبرى بين الصين والعالم النامي (أي الجنوب العالمي). وبين عامي 2012، عندما تولى شي جين بينغ السلطة، وانتشار كورونا في عام 2020، شهد ت علاقات الصين الاستراتيجية مع إفريقيا على كل المستويات تقريباً، توسعاً غير مسبوق. وفي كل عام، بدأت بكين بتخصيص المزيد من الموارد للتبادلات بين الطرفين، والمشاركة العسكرية، والبرامج التعليمية والثقافية مع الدول الإفريقية. وعلى أساس أسبوعي، إن لم يكن يومياً، كان القادة السياسيون والعسكريون الأفارقة يهبطون في الصين لإجراء زيارات متبادلة وبرامج تدريبية. وأصبحت سفن البحرية العسكرية الصينية من الزوار المنتظمين للموانئ الإفريقية. ومن الممكن أن نعزو انتشار النفوذ الصيني في إفريقيا إلى شبكة علاقاتها المتداخلة مع الآلاف من النخب الإفريقية التي تعبّر عن أربعة مستويات متميزة: الثنائية، والعالمية، والإقليمية، ودون الإقليمية. وعلى كل مستوى، يستخدم المحاورون الصينيون الدعم المادي، والخطابة الشاملة، والرحلات المدفوعة بالكامل لبدء وإدامة العلاقات الودية مع الشركاء الأفارقة».
  يبحث هذا الكتاب بشكل منهجي النطاق الكامل لهذه الارتباطات السياسية والأمنية المعاصرة بين الصين وإفريقيا، إضافة إلى تأثير كورونا فيها. وينقسم الفصل التمهيدي إلى قسمين متكاملين. الأول يشرح موقع إفريقيا في الاستراتيجية الجيواستراتيجية الصينية، ويحدد سمتين محددتين للعلاقات الاستراتيجية الصينية الإفريقية، ويعاين الكيفية التي اجتمع بها خلط القادة الصينيين بين التهديدات التي يتعرض لها الحزب، والتهديدات التي تتعرض لها البلاد، والتركيز المتزايد على العلاقات في الجنوب العالمي، والتركيز على مواجهة الهيمنة الأمريكية، من أجل رفع الأهمية الجيواستراتيجية لإفريقيا. بعد ذلك، يتطرق المؤلفان إلى «مجتمع المستقبل المشترك للبشرية» وهو المفهوم الرئيسي للسياسة الخارجية لشي جين بينغ. ويعلق المؤلفان بالقول: «من الأفضل أن نفهم المجتمع باعتباره شبكة من العلاقات الصينية المرتكزة على تبادل الخدمات بين الشركاء الصينيين والأجانب ذوي التفكير المماثل. وبالنسبة لإفريقيا، أنشأت بكين شبكة فرعية داخل المجتمع تسميها مجتمع المستقبل المشترك الصيني الإفريقي. ومع ذلك، للاستفادة من المجتمع الصيني الإفريقي، يجب على الأفارقة أن يذعنوا لتوقعات بكين بشأن سلوكهم الصحيح والتزاماتهم على أساس وضعهم التبعي بالنسبة للصين». أما الجزء الثاني من الفصل فيعرض شكل الكتاب ومصادر المعلومات والبيانات.

الصورة
1

 إفريقيا في الفكر الاستراتيجي الصيني
  إن المواضيع التي يتناولها هذا الكتاب تهدف لتقييم العلاقة الاستراتيجية المعاصرة بين الصين وإفريقيا. ويجد المؤلفان أنه من خلال تنمية العلاقات الشخصية مع النخب الإفريقية، تكتسب الصين دعمهم لمصالحها الأساسية وتؤكد صحة تصورها لنفسها كزعيم ونموذج لجميع البلدان النامية. يقول المؤلفان: «عندما ينظر قادة الصين إلى علاقاتهم الاستراتيجية مع الدول الأجنبية، فإنهم يفعلون ذلك في سياق المصالح الاستراتيجية أو الأساسية الأوسع للحزب الشيوعي الصيني، وهي «سيادة الدولة والأمن القومي والسلامة الإقليمية وإعادة التوحيد الوطني» التي أنشأها الدستور والاستقرار الاجتماعي الشامل، والضمانات الأساسية لضمان التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. وفي حين أن هناك تفسيرات أخرى للمصالح الأساسية للصين، فإن جميعها تفترض ثلاثة أهداف جيواستراتيجية أساسية متداخلة لضمان استمرار الحزب الشيوعي الصيني في حكم الصين للحفاظ على الصين والدفاع عنها «سيادة الصين ووحدة أراضيها، وتعزيز بيئة دولية مستقرة تفضي إلى النمو المستمر للقوة الوطنية الشاملة للصين».
 يعتمد هذا الكتاب في المقام الأول على ستة أنواع من المصادر: البيانات المنهجية، والمقابلات الشخصية غير الرسمية، والاستطلاعات عبر الإنترنت، والوثائق والبيانات الرسمية، والتقارير الإعلامية، والمنشورات العلمية. ولعل أفضل مثال على البيانات المنهجية هو قاعدة بيانات خاصة بجميع الاجتماعات المعلن عنها بين الإدارة الدولية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني والأحزاب السياسية الإفريقية التي تغطي الفترة 2002-2022. وبين عامي 2017 و2020، أجرى المؤلفان مقابلات غير رسمية في الصين وجنوب إفريقيا وغانا ومصر وإثيوبيا وجيبوتي وناميبيا والمغرب، مع أكثر من مئتي شخصية من النخبة الصينية والإفريقية ومواطني دول ثالثة، بمن في ذلك قادة الحزب والعسكريون والمسؤولون الحكوميون، الأكاديميون والصحفيون وممثلو المجتمع المدني. وفي عامي 2019 و2020، عمل المؤلفان مع منظمة «جاينا هاوس»، وهي منظمة غير حكومية مقرها نيروبي، تنشر أبحاثاً لباحثين صينيين، وتجري مسوحات عبر الإنترنت لتحديد المخاوف الأمنية لسكان المجتمعات الصينية في ثلاث عشرة دولة - الجزائر وأنغولا والكاميرون وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر، وإثيوبيا، وكينيا، ونيجيريا، وجنوب إفريقيا، والسودان، وتنزانيا، وزيمبابوي.
 ويستكشف الفصل الثاني دبلوماسية الصين الثنائية والعالمية مع الأفارقة، ويتضمن تحليل الدبلوماسية التقليدية بين الحكومات، والزيارات رفيعة المستوى، فضلاً عن التعاون في الأمم المتحدة. كما يعاين الكتاب مصالح الصين الأساسية والقضايا التي تهم الحكومات الإفريقية. ويتناول الفصل الثالث علاقات الصين مع المنظمات الإقليمية، ودون الإقليمية الإفريقية. يقول المؤلفان: «إن الارتباط مع المؤسسات الإفريقية متعددة الأطراف توفر فرصاً للصين للتواصل مع العديد من البلدان في وقت واحد. ومن أجل تنسيق برامجها ومواقفها السياسية والأمنية بشكل أسرع وأكثر كفاءة، قامت الصين بتمويل منتدى التعاون الصيني الإفريقي. ويختلف تفاعل الصين مع المنظمات الإقليمية ودون الإقليمية الموجودة مسبقاً، لكن كل منها توفر مكاناً آخر لبكين لتعزيز مصالحها وبناء علاقات مع النخب الإفريقية».
 ويبحث الفصل الرابع علاقات الحزب الشيوعي الصيني مع الأحزاب السياسية الإفريقية. وهو يتضمن قاعدة بيانات تغطي عقدين من الزيارات والاجتماعات بين الطرفين. ويحلل المؤلفان التبادلات الثنائية والمتعددة الأطراف مع الأحزاب السياسية الإفريقية. ويختمان هذا الفصل بدراسات حالة قُطرية عن العلاقات بين الأحزاب في جنوب إفريقيا وإثيوبيا وغانا، وكيفية إشراك الصين للأحزاب الإفريقية في ظل ظروف وطنية وسياسية مختلفة. ويحلل الفصل الخامس أعمال بكين الدعائية التي تركز على إفريقيا. بعد تلخيص كيفية تصور قادة الأحزاب للعمل الدعائي الذي يركز على الخارج، يستكشف المؤلفان كيفية تطبيق هذه المفاهيم والتكتيكات في وسائل الإعلام والتعليم والمجالات الثقافية الإفريقية. ويؤكد المؤلفان بالقول: «تعزز هذه الأنشطة بناء علاقات الصين مع النخب في مختلف المجتمعات الإفريقية مع التركيز على تعزيز المصالح الصينية والدفاع عنها، ومواجهة الولايات المتحدة، وعلى نحو متزايد، الترويج لنموذج الصين الخاص للحكم السياسي باعتباره متفوقاً على الديمقراطية الليبرالية».
 الدبلوماسية الأمنية الصينية
  يربط الفصل السادس من الكتاب مفهوم الأمن الشامل للصين بأولوياتها التنموية في إفريقيا. يقولان عن ذلك: «إن استمرار القدرة على الوصول إلى الطاقة والمعادن المهمة، مثل الكوبالت والتنتالوم والبلاتين والمنغنيز، يشكل ضرورة أساسية للحفاظ على النمو الاقتصادي، ومعه صعود الصين إلى مكانة القوة العظمى. وتستورد الشركات الصينية كميات كبيرة من هذه الموارد، وغيرها، من البلدان الإفريقية، وتستثمر في سلاسل توريد الأرض والأراضي الزراعية والصيد التجاري في إفريقيا، والتعدين في قاع البحار العميقة في المحيط الهندي».
 يستكشف الفصل السابع كيف أصبح التحديث العسكري وتطوير قوات التدخل السريع ضرورياً لحماية مصالح الصين في الخارج. يقول المؤلفان: «نحن نوثق كيف أدى توسع الصين في إفريقيا إلى خلق تحديات أمنية جديدة. وفي العديد من البلدان، يتم توظيف شركات الأمن الخاصة لإحباط الهجمات على المواطنين الصينيين والممتلكات الصينية. وعندما، وحيثما، أثبتت جهودها وجهود الحكومات الإفريقية أنها غير كافية، اضطرت الصين إلى إجلاء المغتربين لديها. كما دفع القلق بشأن سلامة المواطنين الصينيين بكين إلى القيام بدور أكثر نشاطاً، وإن كان لا يزال محدوداً، في منع الصراعات وإدارتها ولعب دور الوساطة.
 إن مشاركة الصين في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تدعم الاستقرار في القارة بينما تسمح أيضاً لجيش التحرير الشعبي بالحصول على الخبرة العملية التي تشتد الحاجة إليها، ونشر أفراده في مكان قريب لمساعدة المواطنين الصينيين في حالة الطوارئ».
 وفي الفصل الثامن، يتناول الكتاب بالتفصيل الدبلوماسية الأمنية الصينية والتدريبات المشتركة مع الجيش في البلدان الإفريقية. ويبين المؤلفان أن «الصين زادت تعاونها في مجال مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخباراتية في إفريقيا. وحتى اندلاع كورونا، تضمنت الدبلوماسية الأمنية الصينية عدداً متزايداً من الزيارات العسكرية المتبادلة، وعقد منتديين أمنيين إقليميين في عامي 2018 و2019. وتستضيف الصين تدريبات مع الجيش والشرطة الإفريقية، على الرغم من أن هذا التعاون لا يزال محدوداً من حيث الحجم والتكرار. وتعد مبيعات الأسلحة طريقة أخرى لتفاعل جيش التحرير الشعبي مع قوات الأمن الإفريقية، على الرغم من انخفاض قيمة هذه المشتريات في السنوات الأخيرة. وفي بعض البلدان الإفريقية، تقوم شركات البناء الصينية ببناء منشآت عسكرية وشرطية. ورغم أن الصين تظل لاعباً ثانوياً في مجال الإغاثة في حالات الكوارث، فإن جيش التحرير الشعبي يعمل على توسيع نطاق عمله في مجال المساعدات الإنسانية في إفريقيا».
 ويتناول الفصل التاسع الأمن البحري. يشرح فيه المؤلفان كيف تعكس عمليات الانتشار الأمني البحري الموسع للصين في غرب المحيط الهندي منافستها الجيوستراتيجية مع الولايات المتحدة والهند. بعد ذلك، يستعرضان الأهمية الاستراتيجية لأنشطة الصين في مكافحة القرصنة في خليج عدن وخليج غينيا، والتدريبات المشتركة والتدريبات مع القوات البحرية الإفريقية، وزيارات الموانئ البحرية لجيش التحرير الشعبي الصيني واستثماراتها في إفريقيا. ويختمان الفصل بمناقشة أول قاعدة عسكرية خارجية للصين في جيبوتي واحتمالات إنشاء منشآت عسكرية إضافية في إفريقيا.
 ويتناول الفصل العاشر التعاون الأمني بين الصين وإفريقيا في مجموعة من قطاعات التكنولوجيا المتقدمة ذات الآثار الأمنية المهمة لكلا الجانبين. وتظل الشركات الصينية، مثل «هاواي» و» «زيد تي إي»، رائدة في القارة في مجال معدات تكنولوجيا المعلومات وتطوير شبكات تكنولوجيا المعلومات. وتعمل الشركات الصينية أيضاً على توسيع وجودها في مجالات الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا المراقبة، والأمن السيبراني، وهي المجالات التي تأمل بكين في السيطرة على المعايير العالمية فيها. ولا يزال التعاون بين الصين وإفريقيا في مجال الطاقة النووية والفضاء والأقمار الصناعية في مرحلة مبكرة، ويواجه منافسة كبيرة من الدول الغربية وروسيا. وفي الفصل الأخير من الكتاب، يحدد المؤلفان اتجاهات ناشئة ستستمر في تشكيل علاقات الصين السياسية والأمنية مع الأفارقة في إفريقيا خلال العقد القادم.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/5avusrhd

كتب مشابهة

1
باسكال بيانشيني وندونجو سامبا سيلا وليو زيليج

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

تغير المناخ يزيد من الهجرات في العالم
درو بيندرجراس وتروي فيتيس
1
زاندر دنلاب
1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
1
داون سي ميرفي
1
مايكل كريبون
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي