عن المؤلف
* يشغل حالياً منصب رئيس التنظيم والتدريب في اتحاد المستأجرين في لندن.
في ظل تصاعد التحديات المعاصرة التي تواجه المجتمعات العالمية، يأتي كتاب «عالمٌ خالٍ من العنصريّة»، ليُسلط الضوء على الحاجة الملحة لإعادة تشكيل الأطر التي نفهم بها العنصرية، وكيفية مواجهتها، ويوضّح الكتاب تأثير العنصرية في مختلف جوانب الحياة، مثل حقوق المرأة، والعدالة المناخية، والعدالة الاجتماعية بشكل عام.
ينتقد الكتاب الأضرار العلنية التي تسببها العنصرية لنموذج شمول التنوع الليبرالي بغية التفكير في ما وراء الأطر التقليدية، ويناقش الاستراتيجيات ليس من الجانب النظري فقط، بل بناء على خطوات عملية وقابلة للتنفيذ لبناء قوة الطبقة العاملة وتعزيز التضامن بين المجتمعات المحرومة.
توفر المواضيع المتنوعة التي يغطيها الكتاب رؤية شاملة لكيفية تقاطع النشاط المناهض للعنصرية مع مختلف القضايا الاجتماعية، مع التركيز على الطبيعة المتعددة الأوجه لمكافحة العنصرية، وتسليط الضوء على الترابط بين المظالم الاجتماعية. ويمتد دافع الكتاب إلى ما هو أبعد من مجرد المناقشة، إلى أن يكون بمثابة أرشيف حي للإجراءات المعاصرة المناهضة للعنصرية وكدليل للحركات المستقبلية، ويسعى إلى تعزيز التضامن بين مختلف الحركات الناشطة، واستكشاف كيف يمكن للنضالات المختلفة أن تتوافق وتدعم بعضها بعضاً، وكيفية بناء جبهة موحدة ضد الظلم الممنهج، واسع النطاق، وبالتالي تضخيم تأثير التنظيم المناهض للعنصرية.
تفكيك التحيّزات العنصرية
يبدأ الكتاب بمقدمة كتبها فيراسامي، تمهد الطريق لخطاب حول ما يستلزمه النشاط المناهض للعنصرية، وكيف يمكن أن يتحدى بشكل فعال، كلاً من الهياكل العلنية للعنصرية والأشكال المضمنة في روايات إدراج التنوع. ثم يتعمق كل فصل في مجالات محددة من النشاط، ويقدم كلاً من الأطر النظرية والاستراتيجيات العملية. على سبيل المثال، يدعو فصل «تحويل التعليم» إلى تغييرات جذرية في السياسات التعليمية لتعزيز نظام أكثر شمولاً وعدالة، يفكك التحيز العنصري.
ويوضح الفصل المخصص لمشروع مراقبة شرطة الشمال الإصلاحات وأحلام إلغاء عقوبة الإعدام، ويسلط الضوء على الديناميكيات المعقدة بين آليات مراقبة الدولة والدعوة إلى إصلاحها الشامل. وتعتبر هذه المناقشة حاسمة لأنها تتناول العلاقة المعقدة بين الاحتياجات الفورية لسلامة المجتمع، والأهداف طويلة المدى المتمثلة في تفكيك الأنظمة القمعية بطبيعتها.
يقدم فصل «أرض بأسمائنا» منظوراً حول دور ملكية الأراضي واستخدامها في مكافحة اللامساواة العرقية. ويوسع الكتاب النقاش إلى ما هو أبعد من المناطق الحضرية لتشمل الأراضي الريفية والمجتمعية، ويسلط الضوء على كيف أن استصلاح الأراضي والاستخدام المستدام جزء لا يتجزأ من إنهاء الاستعمار في المساحات، وتحسين سبل العيش. ويسلط هذا الارتباط الضوء على عنصر بالغ الأهمية، ولكن غالباً ما يتم تجاهله، في العدالة البيئية كعنصر من عناصر الممارسات المناهضة للعنصرية.
وتستكشف مساهمة منظمة المهاجرين في فصل «التضامن لا يعرف الحدود»، نقاط التقاطع بين الهجرة والعنصرية، مع التركيز على التحديات الفريدة التي يواجهها المهاجرون، والحاجة إلى التضامن بين الحركات. ويُعد هذا الفصل بمثابة تذكير قوي بأن العمل المناهض للعنصرية ليس متجانساً، ويجب أن يكون قابلاً للتكيف ليشمل التجارب المتنوعة لأولئك الذين يهدف إلى الدفاع عنهم.
بناء مجتمع عادل
يشجع الكتاب التحول من السلبي إلى الإيجابي، ومن السطحي إلى العميق، ويحث على إعادة التفكير لدمج المبادئ المناهضة للعنصرية على كل المستويات. يقدم هذا العمل روايات الحياة الواقعية التي تردد الحقائق المؤلمة لعدم المساواة العرقية، والإخفاقات المنهجية، مثل قصة ماريون، إحدى ساكنات حي هاكني في لندن. يقول المؤلف: «إن كفاح ماريون مع السكن المؤقت غير الكافي والمقيد يجسد جوهر الإهمال والتمييز المنهجيين اللذين يواجههما الكثير في بريطانيا. وتُعد هذه القصة الشخصية بمثابة تذكير مؤثر بالتأثير الإنساني لفشل السياسات واللامبالاة الاجتماعية، ما يسلط الضوء على الحاجة الملحّة للتغيير المنهجي».
يستخدم الكتاب الثورة الهايتية كإطار لفهم النضال السياسي المنظم ذاتياً، ما يعكس أهميته التاريخية وصلته بالحركات المعاصرة المناهضة للعنصرية، ويعزز الأسلوب السردي فكرة أن فهم التاريخ أمر بالغ الأهمية لصياغة استراتيجيات معاصرة فعالة ضد الاضطهاد.
كما يكشف المؤلف عن التحديات التي تواجهها المبادرات المناهضة للعنصرية، بخاصة عندما تتحدى المصالح الراسخة لوسائل الإعلام، والشركات، والنخب السياسية. وتتجلى هذه المقاومة بوضوح من خلال تجارب المؤلفين والمنظمين، الذين واجهوا معارضة كبيرة، بما في ذلك حملات التشهير والتهديدات المالية، مسلطاً الضوء على البيئة المحفوفة بالمخاطر التي يعمل فيها النشاط المناهض للعنصرية، وعلى الحواجز النظامية التي تسعى إلى خنق الأصوات المطالبة بتغيير جوهري.
ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى الأسس الفلسفية والأيديولوجية لمناهضة العنصرية، منتقداً الأشكال السطحية التي تهيمن على الخطاب العام. ويجادل بأن مناهضة العنصرية المعاصرة غالباً ما تفتقر إلى العمق الراديكالي الذي كانت تتمتع به حركات، مثل حركات القوة السوداء، وكثيراً ما تقع في شرك الفردية النيوليبرالية. يقول المؤلف: «يعد هذا النقد ضرورياً لأنه يدعو إلى اتباع نهج أعمق وأكثر منهجية لفهم العنصرية، ومكافحتها، بما يتجاوز نماذج المساعدة الذاتية والتحالفات المنتشرة حالياً».
ويصف المؤلف التدابير الاستبدادية المتزايدة التي تستخدمها الدولة البريطانية، مثل سياسات الشرطة القاسية وسياسات الهجرة التقييدية، ويرى أنه تم تأطير هذه التدابير كجزء من حرب عنصرية وطبقية أوسع، حيث تعمل العنصرية كمبدأ منظم لمجموعة متنوعة من الإجراءات القمعية للدولة. يربط هذا القسم من الكتاب النقاط بين الأشكال المختلفة لعنف الدولة وسيطرتها، ما يعزز الحاجة إلى استجابة موحدة من الناشطين المناهضين للعنصرية.
ويتطرق إلى القصص الشخصية عن المقاومة المجتمعية خلال أعمال الشغب عام 2011 في إنجلترا، خلال مناقشة أوسع حول القمع المنهجي، محاولاً تسليط الضوء على الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تؤدي إلى مثل هذه الانتفاضات وتتحدى الرواية السائدة عن الإجرام. يشير الكاتب إلى أن هذا بمثابة تذكير مؤثر باليأس والتحدي الذي يميز الكثير من النضال ضد الظلم الممنهج.
يتعمق الكتاب في الظروف الاقتصادية التي تساهم في حياة تتسم بعدم الاستقرار والبطالة التي تؤثر بشكل غير متناسب في المجتمعات العنصرية. ومن خلال ربط هذه الظروف بالسياسات الاقتصادية الأوسع والديناميات الرأسمالية، يجد المؤلف أن العنصرية والاستغلال الاقتصادي متشابكان بعمق، ويأتي حديث الكاتب في إطار أكبر يتجاوز فهم العنصرية إلى الانتقادات الأوسع المناهضة للرأسمالية، ويدعو إلى إعادة هيكلة جذرية للمجتمع تعالج الظلم العنصري والاقتصادي.
ويجسد فصل «لا شيء نخسره سوى أغلالنا» في الختام، قوة روح النشاط النسوي المناهض للعنصرية، ويناقش التحديات المنهجية التي تواجهها النساء ذوات البشرة الملونة، بخاصة تلك الشخصيات المتورطة في نظام العدالة الجنائية. ومن خلال ربط تحرير النوع الاجتماعي بالعدالة العرقية، يدعو هذا الفصل إلى اتّباع نهج شمولي للنشاط الذي يتحدى الأسس الأبوية والعنصرية لهياكلنا المجتمعية الحالية. ويجسد هذا التوليف من المبادئ النسوية والمناهضة للعنصرية الطبيعة المتعددة الأوجه للنضال ضد الاضطهاد، والجهد الجماعي المطلوب لتفكيكه. ويمكن القول إن هذا العمل بمثابة وثيقة تاريخية ودعوة للعمل في آن واحد، بخاصة أنه يتحدى القرّاء للنظر في التغييرات الهيكلية العميقة اللازمة للقضاء على العنصرية وبناء مجتمع عادل.