حان الوقت لإعادة النظر في السندات

21:47 مساء
قراءة 4 دقائق

منذ زمن طويل لم تكن السندات الخيار المفضل للمستثمرين، ففي فترات الانخفاض الحاد لمعدلات الفائدة، انخفضت عائدات السندات انخفاضاً غير مسبوق. لكننا شهدنا مؤخراً انعكاساً جذرياً لهذا التفضيل في السنتين الماضيتين، حيث ارتفعت عائدات السندات لأجل عشر سنوات في ألمانيا من صفر% في أكتوبر 2021 إلى 2.6% وقت كتابة هذه السطور. أما في سوق الولايات المتحدة الأمريكية، فقد ارتفع عائد سندات السنوات العشر من 1.5إلى 4.3%.

وبالنظر للسندات ذات أجل الاستحقاق الأقصر، فإن التغيرات التي طرأت عليها أشد غرابة، حيث زادت عائدات سندات السنتين في الولايات المتحدة من 0.5% إلى 5% خلال عامين فقط. وفي ألمانيا، ارتفع عائد السندات ارتفاعاً كبيراً من - 0.5% إلى 3%.

نظراً لارتفاع معدلات الفائدة التي قررها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي، تغير مشهد معدلات الفائدة بالكامل، وتحولت السندات من أصول مالية منخفضة العائد إلى فرصة مثيرة للاهتمام نظراً للعائدات المتاحة في وقتنا الحالي.

تسببت الخطوات التي اتخذتها البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة، وفي هذه الأثناء تضررت حملة السندات بشدة نظراً لانخفاض قيمة الأصول المالية من السندات انخفاضاً خطيراً، ليُمثّل 2022 العام الأسوأ لحملة السندات. وعلى نفس الوتيرة لم يحمل 2023 بدوره أي بشائر للسندات، حيث تراوح إجمالي العائدات بين 1 إلى 2 %. ولكن كانت هناك استثناءات بالفعل: إذ حققت السندات ذات العائد المرتفع نتائج جيدة؛ لتتراوح مستويات الأداء بين 6 إلى 7% في الولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى الرغم من ذلك، يرى فريق خبراء ساكسو الاستراتيجين أن أغلب الارتفاعات المتعلقة بمعدلات الفائدة قد تمت بالفعل خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ ولا يوجد سبيل لمزيد من رفع تلك المعدلات. ونتيجة ذلك فمن المنتظر أن تنخفض المخاطر المتعلقة بأسعار السندات ما يجعل معدلات العائد الحالية جذابة بالفعل. وفي حال تحقق السيناريو المتوقع بتحول معدلات الفائدة إلى الاتجاه الهبوطي، فإن قيمة الأصول المالية من السندات ستشهد المزيد من الارتفاع.

كم نستثمر في السندات؟

تعتمد إجابة هذا السؤال على طبيعة المحفظة الاستثمارية لكل مستثمر. وهناك عوامل أخرى لابد من أخذها في الاعتبار مثل السن وأفق الاستثمار والأهداف الاستثمارية والاستعداد للمخاطرة. لكن النصيحة العامة هي أنه كلما تقدم عمرك عليك زيادة نسبة السندات في محفظتك الاستثمارية. يمكننا رؤية هذا التوجه واضحاً في صناديق المعاشات. حيث تكون الأسهم ذات النسبة الأكبر في محفظة الاستثمار للمشاركين الأصغر سناً، بينما تكون السندات ذات النسبة الأكبر للمشاركين الذين على أعتاب سن التقاعد. ببساطة فإن القاعدة العامة هي: ليكن عدد سنوات عمرك هو نفس نسبة استثمارك في السندات. قد يفضل بعض المستثمرين اتباع منهج مختلف، ولكن تظل الرسالة الأساسية شديدة الوضوح. كلما تقدم العمر بالشخص زاد استثماره في السندات.

وتوجد عدة مزايا لإضافة السندات إلى المحفظة الاستثمارية.

  • التنويع: عادة ما يكون أداء السندات مختلفاً عن الأسهم، وبالتالي فإن إضافة السندات إلى المحفظة الاستثمارية سيساعد بلا شك في الحد من الآثار السلبية للتذبذب كما يقلل من التعرض للمخاطر، لا شك أن السندات توفر ميزة الاستقرار في حالة تعرض أسعار الأسهم للهبوط.
  • الدخل: تتيح السندات الحصول على مدفوعات الفائدة الدورية التي توفر بدورها مصدراً للدخل للعديد من المستثمرين، يمكن استغلال هذا الدخل للإنفاق على المعيشة، كما يمكن إعادة استثماره، وتعد هذه الميزة شديدة الجاذبية للمتقاعدين.
  • الاستقرار: تتمتع أغلب مدفوعات قسائم السندات بقيمة ثابتة، وبالتالي فإنها توفر مصدراً مستقراً من الدخل لا يتأثر بأية تذبذبات اقتصادية. يتعارض هذا في طبيعته مع توزيعات أرباح الأسهم التي قد تختلف من وقت لآخر.
  • انخفاض المخاطر: تكون السندات عامة أقل في المخاطر من الأسهم، خاصة السندات الحكومية عالية الجودة، نظراً لانخفاض مخاطر التخلف عن السداد في هذه الحالة، وبالتالي يمكن للسندات المساعدة في إلغاء آثار مخاطر الأسهم.
  • الحفاظ على قيمة رأس المال: يتيح الاحتفاظ بالسندات للمستثمرين الحصول على قيمة رأس مالهم عند انتهاء أجل السند، وبالتالي يحصل المستثمرون على شبكة حماية تقيهم من خسائر الأسهم المحتملة.

وباختصار، من أهم مزايا إضافة السندات إلى المحفظة الاستثمارية هو زيادة التنويع الاستثماري وتأمين دخل مستقر مع الحد من تذبذب أداء المحفظة الاستثمارية، إضافة إلى حماية رأس المال، إذ يمكن للسندات توفير عامل الاتزان مع المخاطر المتعلقة بالأسهم.

يمكن للسندات توفير ميزة التنويع الاستثماري لموازنة أداء الأسهم. عادة ما تتحرك السندات بخلاف الأسهم، ولذا فإن الجمع بينهما يساعد في تخفيف تذبذبات عائدات المحفظة الاستثمارية على مدار الوقت. قد ترتفع قيمة السندات عند انهيار الأسهم ما يخفف من شدة الأثر السلبي.

العلاقة بين الأسهم والسندات تتغير بمرور الوقت. على مدار العقدين الماضيين كانت العلاقة عكسية، لكن العقود الثلاثة السابقة على بداية الألفية شهدت علاقة طردية بين الأصلين الماليين.

ومما سبق يمكننا استنتاج أن العلاقة بين السندات والأسهم قد تتغير بمرور الزمن، من أمثلة هذه التغييرات: تكون العلاقة عكسية في ظل فترات انعدام اليقين، نظراً لتفضيل المستثمرين للسندات بحثاً عن تأمين أصولهم المالية. وكذلك حين ترتفع تذبذبات سوق الأسهم؛ فإن العلاقة بين السندات والأسهم تصبح عكسية. من ناحية أخرى، فإن التضخم يؤدي إلى علاقة طردية بين السندات والأسهم، نظراً لتسبب التضخم في ارتفاع معدلات الفائدة (ما يضر بالسندات) وفي الأغلب الحد من أرباح الشركات (ما يضر بالأسهم). من بين العوامل الأخرى التي تؤدي إلى تحرك مؤشري الأسهم والسندات في نفس الاتجاه؛ هو ارتفاع العوائد الحقيقية نظراً لأنها تقود إلى معدلات خصم حقيقية، وبالتالي يؤثر هذا سلباً في أسعار الأسهم والسندات.

بالنظر إلى العائدات الحالية للسندات، فإنها تمثل فرصة استثمارية شديدة الجاذبية. في حال فشل جهود احتواء التضخم عالمياً سيؤدي هذا إلى استمرار رفع معدلات الفائدة، لكننا لا نتوقع هذا وفقاً للسيناريو الأرجح. يعتقد فريق خبراء ساكسو الاستراتيجيين أننا اقتربنا من قمة منحنى أسعار الفائدة وأن عام 2024 سيشهد بدايات الانخفاض. ما يجعل معدلات العائد الحالية أكثر جاذبية من أي وقت مضى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yp5635uz

عن الكاتب

مؤلف ومدرب استثمار في «ساكسو بنك»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"