عادي

حقوق الإنسان في الحروب.. صورة لإنسانية الإسلام

23:14 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

وضع الإسلام ضوابط وأخلاقيات للسلوك البشري في حالتي السلم والحرب، حتى لا يتصرف الإنسان بعشوائية في حالة الغضب، فيظلم من يتعامل معهم ويهدر حقوقهم الإنسانية، فينال غضب الله وعقابه ويستحق عقوبات تعزيرية قد تصل إلى حد القصاص إذا ما ارتكب جرائم حرب يدينها الإسلام، بل تدينها كل الشرائع السماوية، فما الذي قدمه الإسلام لحماية حقوق الإنسان في الحروب؟

يؤكد د. أحمد معبد، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أن الإسلام لا يقر الظلم بكل أشكاله، لا في السلم ولا الحرب، ويضع القواعد الضابطة والحافظة لحقوق الإنسان في كل الظروف والأحوال، ولذلك من يقف على أخلاقيات الحروب في الإسلام، يتأكد جيداً من إنسانية هذا الدين العظيم واحترامه لحقوق الإنسان، ورفضه وإدانته لكل صور انتهاك هذه الحقوق.

1
د. أحمد معبد

ويضيف: الحرب في الإسلام «حرب أخلاقية» في أهدافها ووسائلها، فهي شرعت لصد العدوان، ورفع الظلم، وتحرير الأوطان من مغتصبيها، وعندما تحدث الحرب يلزم الإسلام أتباعه بمجموعة من الضوابط والأخلاقيات التي تجسد تعاليم دينهم، وعظمة شريعتهم، ورقيهم في التعامل، حتى ولو كانوا يشعرون بالظلم والقهر من سلوكيات وعدوان من يقف أمامهم في ساحة القتال.

ويوضح د. معبد أنه ليس من العدل أن تغتصب الأوطان ويشرد أصحابها، ويتلقون كل صور الإهانة وإهدار الحقوق من مغتصب أرضهم، فكثرة الظلم وتراكمه يولدان الانفجار.

ويقول د. عباس شومان، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث بالأزهر: «الجرائم غير المسبوقة ضد المسلمين تفرض علينا أن نذكّر كل شعوب الأرض بآداب وأخلاقيات الإسلام في الحروب، فهم في أمسّ الحاجة إليها اليوم، لأنها تجسد أروع صور التسامح والرحمة، والإسلام لا يلجأ إلى الحروب والمواجهات العسكرية إلا عند الضرورة القصوى، فالسلام هو هدف المسلمين وثقافتهم التي تسيطر عليهم طوال الوقت، فإذا ما تعرضت أوطانهم أو حرماتهم أو دينهم أو مقدساتهم لعدوان فعليهم في هذه الحالات فقط أن يهبوا للدفاع عن دينهم وأوطانهم وحرماتهم ومقدساتهم، ولذلك عرفت حروب المسلمين عبر التاريخ بأنها (حروب دفاعية)، حتى الفتوحات الإسلامية لم تكن عدواناً ولا إرهاباً كما يردد الحمقى ومزورو التاريخ ومشوهو الحقائق، بل كانت تستهدف الدفاع عن حقوق المسلمين، حيث تعود الخصوم في كل عصور التاريخ على إهدارها وعدم الاعتراف بها».

1
د. عباس شومان

ويوضح د. شومان أن صور التسامح والرحمة في معاملة المسلمين لغيرهم تبدو في حالة الحروب أكثر منها في حالة السلم، فالفضيلة لا تفارق المسلم في كل شأن من شؤونه، حتى في الحرب التي هي قمة الصراع بين البشر وأقسى ألوانه، ولذلك نرى الشريعة الإسلامية لا تبيح التمثيل بجثث القتلى من العدو حتى ولو فعل ذلك بجثث شهدائنا، ويقول: «في معركة أحد حدث أن مثّل المشركون بجثث شهداء المسلمين، انتقاماً منهم في معركة بدر التي هزمهم المسلمون فيها، ولما التمس المسلمون القتلى بعد معركة أحد، رأوا المشركين قد مثّلوا بجثثهم، وكان تمثيلهم بحمزة عم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شر تمثيل، ولما رأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما فعلوه بشهداء المسلمين حلف ليمثلن بالمشركين عندما يظفر بهم، ويمكنه الله منهم، وذلك معاملة لهم بالمثل، فنهاه الله عز وجل عن ذلك، فكفّر الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن يمينه، وكان ينهى المسلمين عن التمثيل بجثث المشركين، فلم يحصل التمثيل من أحد من المسلمين».

ويؤكد د. نزيه عبدالمقصود، العميد السابق لكلية الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن منظومة حقوق الإنسان في الحروب تؤكد إنسانية الإسلام وعدالته، ويقول: «ما جاء به الإسلام في مجال حقوق الإنسان يتفوق على كل الأنظمة، فهو الأكثر مصداقية وواقعية بين النظم والمعتقدات والأيديولوجيات العالمية التي قننت حقوق الإنسان، فالشريعة الإسلامية تناولت كل ما يؤكد إنسانية الإنسان ويحافظ على إنسانيته وحقوقه، وأمرت باحترامها وطبقتها، بل وعاقبت على المساس بها، وقد شملت هذه الحقوق كل أبعاد الحياة الإنسانية، وما يخدم هذه الحياة ويتعلق بها».

1
د. نزيه عبدالمقصود

وتتمثل أهم حقوق الإنسان في حالة الحرب، والتي تضمنتها الشريعة الإسلامية، في حماية المدنيين وغير المقاتلين، حيث أكد الفقه الإسلامي وجوب حصر أعمال القتال كلها في ميدان المعركة ضد المقاتلين وحدهم، ويحظر الفقه الإسلامي استهداف المدنيين وغير المقاتلين عمداً أثناء سير العمليات القتالية، وترى الشريعة أن كل شيء في هذا العالم ملك لله عز وجل، والبشر بوصفهم خلفاء الله في أرضه يتحملون أمانة تتمثل في حماية كل ما هو لله عز وجل، وبالتالي فإنه حتى في أثناء سير الأعمال القتالية، فإن التدمير المتعمد للممتلكات محظور حظراً تاماً.

وهناك صور من الواقع العملي، منها ما أمر به أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، قائدَ قواته قائلاً: «لا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تهدموا بناء، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكله، ولا تُغرِقنَّ نخلاً ولا تَحْرقنَّها».

فقد حرمت الشريعة الإسلامية التمثيل بالجثث تحريما قاطعاً، وهذا ما تضمنته توجيهات النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله: «لا تغلُّوا ولا تغدروا ولا تمثِّلوا» كما أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، المسلمين بتجنب مهاجمة العدو عمداً بضربه في الوجه، إضافة إلى حسن معاملة الأسرى، وهذا ما طبقه النبي، صلى الله عليه وسلم، مع أسرى بدر، حيث أمر بحسن معاملتهم، بل طلب من كل واحد منهم أن يُعلّم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة حتى يفك أسره.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdfuepkb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"