مراجعة سياسة الفوائد

22:19 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

ما هي المؤشرات التي يجب النظر إليها لتقييم تأثير الفوائد في الاقتصاد؟ هنالك العديد من الأرقام المرتبطة بالأصول والسندات، لكن أهمها مؤشران، أولاً في قطاع العقارات الذي يتأثر سلباً برفع الفوائد. من ناحية الطلب، فإن رفع الفائدة يؤثر سلباً بسبب ارتفاع كلفة الاقتراض وبالتالي ينحدر شراء الشقق والمكاتب والعقارات. ومن ناحية العرض، رفع الفائدة يؤثر سلباً في الاستثمارات في البناء، وبالتالي في توافر الشقق والمكاتب للمواطنين.

أما المؤشر الثاني المهم فهو سعر صرف الدولار، حيث إن ارتفاعه مقابل العملات الرئيسية يؤثر سلباً في ديون الدول النامية المحررة بالدولار، كما يضر بالميزان التجاري الأمريكي، إذ يخفف الصادرات ويعزز الواردات. وبالنظر إلى هذين المؤشرين، فقد فرضا على المصرف المركزي الأمريكي مراجعة خطواته قبل القيام بزيادات متكررة للفائدة. وحتماً لا شيء مؤكداً في الاقتصاد كما في الطبيعة، وبالتالي يبقى التروّي أفضل المواقف.

أما السياسات النقدية فلا تكفي وحدها للقضاء على التضخم. والمطلوب التأثير في توقعات المواطنين، أي على نفسياتهم، وهنا يترابط علما النفس والاقتصاد بقوة. وما فعله المصرف المركزي الأمريكي، والمصارف المركزية الأخرى، هو التأثير المادي، إذ إن التوقعات لم تتأثر كثيراً بعد. وهذا يفسر إلى حد بعيد، سبب استمرار المصارف المركزية في رفع الفوائد حتى تتغير توقعات الناس كما حصل مع «بول فولكر»، في ثمانينات القرن الماضي. يقول الاقتصادي «روبرت فرانك» الأستاذ في جامعة كورنيل، إن ما يحتاج إليه الاقتصاد الأمريكي، وغيره، لمحاربة التضخم هو وضع ضريبة تصاعدية على الاستهلاك وليس على الدخل، ما يخفف الشراء، أي الطلب، ويدفع الأسعار إلى الأسفل.

وحول العالم، وبعد الكورونا، نما الاقتصاد العالمي بسرعة ما سبب التضخم. وسلاسل الإمداد كما أسعار الطاقة والغذاء هي المسؤولة الأهم عن التضخم العالمي. وللحربين في أوكرانيا وغزة تأثيرات سلبية كبيرة في المسيرة الاقتصادية العالمية. وفي كل حال، يجب على المصارف المركزية مراجعة سياسة رفع الفوائد ضمن المعايير التالية. هل تستمر في رفع الفوائد في ظل المشاكل الاقتصادية المتعددة من سواء استقرار وبطالة وأزمات مصرفية؟ أو يجب التفتيش عن سياسات أخرى يمكن أن تعطي نتائج إيجابية مع وجع أقل؟ رفع الفوائد يخفف الاستثمارات في البنية التحتية، وبالتالي يضر بمستقبل الاقتصادات. وفي الدول النامية كما الناشئة، لا يمكن الاتكال على المساعدات الخارجية فقط، إذ إن العالم أجمع يعاني حتى قبل الحرب الأوكرانية.

هل يمكن للمصارف المركزية تحديد سعر الفائدة «الأفضل» بحيث يتم القضاء على التضخم من دون إحداث ركود كبير وبطالة خطرة؟ أهمية السياسات النقدية المتبعة هي قولها للرأي العام ولقطاع الأعمال، إن المصارف المركزية ستواجه التضخم، وبالتالي عدّلوا توقعاتكم السلبية. هل يمكن للاقتصاد الدولي،خاصة للدول النامية والناشئة أن تتعافى بعد رفع الفوائد؟ كيف يمكنها تسديد ديونها التي أصبحت أكثر ثقلاً على موازناتها؟ مواجهة التضخم العالمي الحالي يتطلب جهوداً دولية منسقة لأن الأسباب عالمية والنتائج مشتركة.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2fwez9dd

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"