لبنان.. ودوّامة الفراغ الرئاسي

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. نسيم الخوري

قال أرسطو إن «الطبيعة تكره الفراغ، والحياة أيضاً لا تحتمل الفراغ، ولا تأبه بالفارغين، لأننا في سباق أزلي أبدي نحو النهاية المجهولة التي نفني أعمارنا في محاولة معرفتها وتصحيحها»، فكيف إذا كان الفراغ متراكماً خلال تاريخ التسلم والتسليم بين رؤساء الجمهوريات اللبنانية ال13، منذ الاستقلال في ال1943 حتى 31/10/2023، إذ مضى عام على خروج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا، وها نحن ندور مجدّداً في دوّامة الفراغ في السلطة الأولى.

حاولت تأريخ الفراغ الرئاسي بالحقائق والتواريخ والأرقام قبل أنّ يُداهم الشتاء اللبنانيين بفقرهم وعتمتهم، وفراغهم العام.

1- لم يتسلّم كميل شمعون (1900-1987) سدّة الجمهورية اللبنانية من سلفه الرئيس الأول للجمهورية بشارة الخوري (1890-1964 ) الذي انتخب بعد الاستقلال ممثلاً الكتلة الدستورية من 23/9/1943 إلى 20/9/ 1949 ليُعاد انتخابه من 22/9/1942 حتى 21/9/1952 فيستقيل مستبقاً انتخاب كميل شمعون، ويؤلّف حكومة برئاسة قائد الجيش فؤاد شهاب (190-1973)، الذي ترأس الجمهورية 5 أيام فقط، من 8/18/ 1952 إلى 22 منه، انتقلت بعدها من فؤاد شهاب إلى كميل شمعون (23/8/ 1958)، ثم عاد كميل شمعون وسلّمها إلى الرئيس فؤاد شهاب الذي عُرف بنظافة عهده رئيساً من 9/23/ 1958حتى 9/22/ 1964، ليستمرّ النهج الشهابي قويّاً مع انتخاب شارل الحلو( 1913- 2001) رئيساً حتى 22 /8/ 1970 ضامناً النهج الشهابي في بناء الإصلاح العام.

ثم قام شارل الحلو بتسليم كرسي الرئاسة للرئيس الجديد سليمان فرنجية، الذي امتدّت سنوات حكمه من 22/8/1970 إلى 23/8/1976 الحافلة بالأحداث التي لم توفّر له إقامة هانئة في القصر الرئاسي، الذي تعرّض للقصف مع اندلاع حروب في 1975 فانتقل نحو القصر البلدي في ذوق مكايل، ثمّ إلى قصر خاص بفتوح كسروان. وقضت الأحداث الخطرة أن يُنتخب الياس سركيس رئيساً للبلاد في 8 أيار 1976 أي قبل انتهاء ولاية فرنجية ب5 أشهر.

وعاد الرئيس سركيس في 23/9/1976 ليفتح قصر بعبدا المهجور، ولم يبارحه حتى عند وصول القوات الإسرائيلية إلى قبالة القصر، إبّان اجتياحها لبنان في 1982. مكث هناك رئيساً حتى نهاية عهده، ولم يتمكّن من تسليم خلفه بشير الجميل (1947-1982) المنتخب في 8/23/ 1982 واغتيل في 14 /8/ 1982، ليتسلّم مكانه شقيقه أمين الجميل (1942-)، رئاسة الجمهورية من 8/23/ 1982 إلى 8/22/ 1988. ومنذ ذلك التاريخ تعطّلت كليّاً، إمكانات انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فكان أن ترك أمين الجميل السلطات للعماد قائد الجيش ميشال عون في 22/8/1082 الذي تمّت إزاحته عن القصر نحو فرنسا في 13/10/1990. وكان لا بدّ من اتفاق الطائف وإقرار الدستور اللبناني الجديد، حيث انتخب رينيه معوّض (1925-1989) رئيساً لم يتسلّم الجمهورية، ولم يسلّمها، ولم يمارس حكمه إلاّ من 5/11/1989 إلى 22 منه، يوم اغتياله. انتخب بعده الياس الهراوي (1926- 2006)، وبقي القصر الجمهوري في فراغ، انتقل بعدها الهراوي إلى قصر مؤقت في ما سُمّي بيروت الغربية آنذاك، ثم صعد إلى قصر بعبدا ودام حكمه 9 سنوات، من 11/24/ 1989 إلى 24/ 11/ 1998.

وانتُخب قائد الجيش إميل لحّود ( 1936-) رئيساً من 24/11/1998 إلى 23/11/2007 وخرج بدوره من قصر بعبدا في الدقائق الأخيرة من عهده مصرّاً، بل متحدّياً ب«ألاّ يخرج إلاّ جثّةً من هناك»، وهكذا دخل لبنان مجدّداً في فراغٍ دام 6 أشهر، حتى انتخاب الجنرال ميشال سليمان (1948-) في 25 /5/ 2008 الذي لم يتسلّم سدّة الرئاسة بدوره، ولم يتمكّن من تسليمها سوى للفراغ الذي تمطّى ليتقلّب بالجمهورية وسلطاتها ونزاعاتها واللبنانيين سنتين ونصف السنة، تقريباً، أي حتّى 30/10/2016 بعد التوافق على انتخاب العماد ميشال عون الذي خرج من قصر بعبدا بانتهاء ولايته في 10/31/ 2022، لتغرق الجمهورية مجدّداً في الفراغ القاتل. إنّها جمهورية الفراغ الذي صار لازمة للعهود الرئاسية مقيمة في بنية الدستور لا يمكن إهمالها، أو استمرار تحمّل مخاطرها بالتنافر والانقسامات، لكونها هشّمت مفاهيم الجمهوريات وقيمها الإنسانية والحضارية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/nhjpbxur

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"