الحد الأدنى للأجور

22:14 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة*

هنالك موجة نفسية حالية عالمية ضد العمل تعود إلى أسباب ثقافية وربما استسلامية أمام الغلاء، حيث يشعر المواطن أن أجره لم يعد يكفيه، وبالتالي لماذا يعمل؟ مفهوم العمل ربما خاطئ في بعض الأحيان حيث يتم التركيز على عدد الساعات وليس على الإنتاجية والنوعية وبالتالي يوازى العمل بالتعب والعذاب وربما الوجع بينما العكس صحيح.

لكن تبقى الرغبة في العمل عموماً أقوى من الرغبة في عدمه، ما يفسر المعارضة الشاملة لفكرة «الدخل العالمي الأساسي» الذي يحصل عليه كل مواطن أكان عاملاً أم عاطلاً عنه.

من الخطأ اعتماد مؤشر العمالة فقط كدليل على وجود ازدهار مجتمعي حالي أو متوقع. أما النزاع الحاصل في العديد من الدول بشأن عمر التقاعد، فيعود إلى الرغبة المبكرة في الراحة دون النظر بعناية إلى التكلفة التي يمكن أن تكون باهظة. في المجتمعات الحالية وبسبب ارتفاع العمر المرتقب، هنالك مجموعة أقل نسبياً من العاملين تمول مجموعة أكبر من المسنين، وبالتالي العدالة المجتمعية مطلوبة للحفاظ على التوازنين المالي والأخلاقي.

خلال فترة كورونا ازدهر العمل عن بعد، وشعر الموظفون عموماً بالسعادة والسهولة وارتفعت إنتاجيتهم. حصل ارتفاع في أسعار المنازل الكبيرة نسبياً بسبب زيادة الطلب عليها من قبل موظفين شعروا بضرورة توسيع مساحة المنزل للعمل براحة أكثر. غيرت كورونا الكثير في عادات العمل وطرقه. لكن اليوم هنالك رغبة عند رؤساء الشركات بالعودة إلى العمل في المكاتب في رأيهم لسببين، أولهما لبناء علاقات صحية بين الموظفين تساهم في خلق النمو والتجدد والابتكار، وثانياً لأن الرقابة على العمل تصبح أسهل بكثير وهنالك ضرورة لذلك بل فائدة منها.

عالمياً هنالك صراع حول جدوى اعتماد حد أدنى للأجور مفروض قانوناً قطاعياً أو في الاقتصاد العام. الاقتصاديان الكبيران «دافيد كارد» و«ألان كروغر» عملا على هذا الموضوع سوياً لعقود وحاز كارد في 2021 جائزة نوبل للاقتصاد، علماً أن «كروغر» كان قد توفي في 2019 وبالتالي حرم من الجائزة التي تعطى فقط للأحياء.

هنالك في الواقع من اعتقد أن اعتماد حد أدنى للأجور يرفع نسبة البطالة، إذ لو سمح بتخفيض الأجر إلى ما دون الحد الأدنى القانوني، ترتفع نسبة العمالة. ليست هنالك أي وقائع تشير إلى ذلك خاصة أن الحد الأدنى مؤيد إنسانياً والعمل بأقل منه يعتبر تعدياً على حقوق العامل والإنسان. ليست هنالك أي وقائع لتأثير سلبي لرفع الحد الأدنى على مستوى العمالة.

على العكس هنالك إحصائيات في بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة وغيرها، تؤكد على أن اعتماد الحد الأدنى ورفعه دورياً لا يؤثر في البطالة، بل يخفف فجوة الدخل خاصة بين النساء والرجال كما بين الفقراء وأصحاب الأجور العالية. هنالك تأكيد عالمي على أن وضع حد أدنى للأجور معقول ومقبول ومدروس يفيد المجتمع ولا يؤثر في البطالة بل يساهم في تقليص فجوة الدخل وبالتالي يريح شرائح المجتمع كافة.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2ja8rhww

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"