عادي

أوكرانيا.. حرب اليأس

00:08 صباحا
قراءة 4 دقائق
أوكرانيا.. حرب اليأس

كتب - بنيمين زرزور:

بعد أن استنفدت أوكرانيا، ومن يدعمها من دول التحالف الغربي، الكثير من الوسائل المتاحة في محاولة لتحقيق اختراق ما في حربها مع روسيا، يتسلل اليأس إلى نفوس أصحاب القرار الذين تتزايد خلافاتهم في تسارع لافت، حتى صارت الدعوة إلى البحث عن مخرج، أو تجميد الصراع، على الأقل، الخيار المرجح لدى عدد من دوائر صنع القرار.

معلوم أن الحروب لا تنتهي دائما بالسلام. ويمكن أن تنتهي الصراعات أيضاً إلى طريق مسدود، وقد يستمر ذلك لعقود، في بعض الأحيان، كما هو الحال في كوريا وقبرص، حيث تم تقسيم الأولى منذ 70 عاماً، والثانية منذ خمسين عاماً، تقريباً.

مثل هذا السيناريو لن يكون مثالياً بالنسبة إلى كييف وحلفائها، لأن أوكرانيا سوف تحتاج إلى دعم عسكري واقتصادي مستمر لتعزيز دفاعاتها. كما أنه يجبر الدول الغربية أيضاً، على استمرار تنفيذ العقوبات المكلِفة ضد موسكو.

وفي هذه الحالة يمكن أن تؤدي الصعوبات الاقتصادية المتزايدة في أوروبا، نتيجة للحرب والعقوبات، إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية واسعة النطاق. وتظهر نتائج انتخابات الولايات في ألمانيا (والانتخابات الوطنية في سلوفاكيا)، ارتفاعاً في دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة، وكان الدافع وراء ذلك جزئياً، هو معارضة استمرار الدعم غير المشروط لأوكرانيا.

طريق مسدود

ولا يمكن أن يؤدي هذا في المستقبل إلى الإصرار الأوروبي على تسوية سلمية فحسب، بل إذا ترك الاقتصادات الأوروبية الرئيسية والديمقراطية الأوروبية ضعيفة بشكل خطر، فسيكون ذلك بمثابة ضربة لمصالح الولايات المتحدة، قد تتجاوز إلى حد كبير المكاسب التي يمكن أن تأملها بشكل واقعي من الحرب في أوكرانيا.

ساحة المعركة وصلت إلى طريق مسدود، كما قال فاليري زالوزني، القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية، في وقت سابق من هذا الشهر. وعلى الرغم من أن مكتب فولوديمير زيلينسكي، رفض هذا التقييم، إلا أن الرئيس الأوكراني اعترف بأن الجميع أصبحوا متعبين.

وتظهر علامات الإرهاق على حلفاء كييف، في الوقت الذي صرفت الحرب على غزة انتباههم. ويبذل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، جهوداً حثيثة لإقناع الكونغرس بالموافقة على مساعدات عسكرية إضافية بقيمة 61 مليار دولار لأوكرانيا، بينما تهدد الانتخابات الرئاسية بقطع الدعم كلياً، في حال فاز دونالد ترامب، أو مرشح آخر أقل حماسة لكييف، العام المقبل. وقد تتمكن أوكرانيا من كسب المزيد من الأراضي إذا حصلت على ما يكفي من الأسلحة المتقدمة لكسر الجمود. ولكن في مرحلة ما، حتى زيلينسكي قد يستنتج أنه من الأفضل إنقاذ أي مكاسب حققها، والتمسك بها.

ولن يكون من السهل بناء مثل هذه القدرات الدفاعية إذا توقفت الولايات المتحدة عن تقديم التمويل. لكن الكلفة المالية والبشرية لتجميد الصراع ستكون أقل من الخسائر المستمرة الناجمة عن مواصلة القتال.

الدعم الأوروبي

لذلك يجب أن يتمكن الآخرون بمرور الوقت من التدخل، وسد أي نقص تركته الولايات المتحدة. وسيكون لدى الاتحاد الأوروبي الحافز الأقوى لتحمّل التكاليف، لأنه يعتقد أنه يواجه تهديداً أكبر من روسيا. وهذا يعني أن الكتلة مجبرة على مواصلة زيادة إنفاقها الدفاعي. لكن الواقع يقول غير ذلك، إذ إن الدول الغربية باتت غير قادرة على تقديم الدعم المطلوب، وأعلن أكثر من مسؤول أوروبي مؤخراً، عدم القدرة على تلبية ما تحتاجه أوكرانيا من أسلحة وذخائر.

روسيا مستفيدة

نشير هنا إلى أن العقوبات الغربية لم تدمر الاقتصاد الروسي، بل إنها غيرت وضعه ومساراته. فالنفط الذي كان يُباع إلى أوروبا ذات يوم، يذهب الآن إلى الصين والهند عبر أسطول من «ناقلات الأشباح».

وفي سبتمبر/ أيلول، حصلت روسيا على 18 مليار دولار من عائدات النفط. ويخطط بوتين لإنفاق نحو 110 مليارات دولار على الحرب في عام 2024، وهذا مجرد الجزء المفتوح من الميزانية. وستكون أوكرانيا محظوظة إذا حصلت على 60 مليار دولار من جميع حلفائها مجتمعين.

ومن غير المرجح أن تؤدي مثل هذه الحرب الاقتصادية إلى إرغام بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، حيث لم تتسبب العقوبات سابقاً بانهيار كوريا الشمالية، مثلاً، أو إيران. في البداية، ساهمت العقوبات في دعم الاقتصاد الروسي، لأن الزيادة في أسعار الغاز والنفط عوضت الانخفاض في الكميات المصدرة. وارتفع فائض الحساب الجاري الروسي إلى 10.5% من الدخل القومي، العام الماضي.

وفي الوقت نفسه، لا تبدو الصورة مشرقة في أوكرانيا. فقد تضاءل الحماس المذهل الذي ساد بداية الحرب، وحلت محله صور فظائع الخنادق المرعبة. ويتهرب الناس من التجنيد الإجباري، وتصر الولايات المتحدة على زيادة الحجم الهائل للجيش الأوكراني، وترد كييف بطلب أسلحة حديثة تسمح بإبقاء الجيش أصغر حجماً. أما الجنود في الميدان فيبحثون عمّن يقع عليه اللوم، وكبش الفداء المعتاد هو الفساد.

ومن الواضح أن الرئيس زيلينسكي صار أكثر إحباطاً. ففي خطابه أمام الأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول، انتقد بولندا، أقوى حليف أوروبي لأوكرانيا، وذهب إلى حد القول إنها مهدت الطريق لفوز «ممثل موسكو».

ولم يكن من الحكمة أن يتهم دولة لم تدخر جهداً في مساعدة أوكرانيا بالأسلحة، وإيواء اللاجئين، بسبب نزاع تجاري حول واردات الحبوب عشية الانتخابات البولندية.

وعندما قال رئيس المفوضية الأوروبية السابق إن أوكرانيا فاسدة على جميع مستويات المجتمع، ألقى زيلينسكي باللوم عليه في نشر «الروايات الروسية».

وفي أوكرانيا، لا شك في أن الحساب السياسي على فشل الهجوم الصيفي قادم لا محالة. فقد أطلق أوليكسي أريستوفيتش، الذي كان مستشاراً سابقاً للرئيس، وكان له تأثير سحري في الحشود في الأشهر الأولى من الحرب، حملته للانتخابات الرئاسية مؤخراً. وكان اللافت فيها اقتراحه الذي كان محظوراً حتى الآن، ومفاده أن أوكرانيا يمكن أن تتخلى عن الأراضي المحتلة مقابل الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.

وبينما تستيقظ الديمقراطية الأوكرانية الجريحة والمصدومة ببطء على الحقيقة المرة، يعيش الرئيس الروسي في عالم مختلف حيث يخوض حرباً عالمية ضد أمريكا، ويرى أنه انتصر فيها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3uhd7hrd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"