الرقابة والسلامة المصرفية

21:35 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

في معظم الدول المتطورة مالياً، تنجح المؤسسات الرسمية في عمليات الرقابة المؤخرة على القطاع المصرفي، وتفشل في العمليات الوقائية التي تجنب الاقتصاد الكوارث الموجعة. من يدفع الثمن؟ المواطن مباشرة عبر ودائعه والمواطن أيضاً بطريقة غير مباشرة عبر تدخل وزارة المال للإنقاذ من جيوب المواطنين أي من ضرائبهم. تلبي المصارف التجارية حاجات واضحة هي نقل أموال المدخرين إلى المستثمرين، وبالتالي يكون المصرف هو الوسيط. هنالك مشكلة آجال تحصل وهي أن المودع يفضل الآجال القصيرة بينما المستثمر يريد الآجال الطويلة لاستثماراته. من الضروري أن يكون الوسيط نزيهاً وشفافاً وفاعلاً، فيجذب الثقة وإلا تعطل عمل الجميع وتعطلت الدورة الاقتصادية الفضلى، وهذا ما يحصل في لبنان.

دور المصرف هو ضمان سلامة الودائع مباشرة وعبر مؤسسة الضمان التي تلعب دوراً مهماً في تأمين سلامة العلاقة بين المودع والمصرف. من واجب المصرف عدم التهور في الإقراض أي النظر إلى حجم القرض وهوية ومزايا المقترض المالية. مؤسسة الضمان تغطي الودائع المتوسطة وما دون كي لا تتوجه أكثرية المودعين إلى المصارف لسحب أموالها عند أول هزة. يضمن المصرف إذا مباشرة أو عبر مؤسسة الضمان سلامة أكثرية الودائع. من ناحية المقترضين عليهم استثمار القروض بوعي للسلامة، علماً أن دور المصارف يبقى تحصيل الديون بهدوء مع مراعاة أوضاعهم كي يسددوا الأموال كاملة من دون خضات في الأسواق. في معظم الدول تعمل المصارف بشكل جيد مما يقوي ثقة المجتمع بها، فيجعلها تلعب الدور المهم الذي وجدت من أجله. أهم مزايا أي قطاع مصرفي هي الثقة به، لأن أي هزة فردية تهز كل القطاع.

سقوط المصارف يسبب الأزمات الاقتصادية الحادة، أي أنها تحدث نتيجة هذا السقوط ولا تكون سبباً له. سقوط النظام المصرفي يضرب التواصل بين المدخر والمستثمر، وبالتالي يعطل الحركة الاقتصادية. واجب المصرف المركزي لعب دور المقرض النهائي ليس للجميع وإنما للمصارف القابلة للحياة. هنالك دائما ضرورة للإصلاح ترتكز على تقوية مؤسسة ضمان الودائع ورفع السقوف كما على فرض رؤوس أموال أعلى على المصارف لتقويتها. مجرد وجود ضمانات مباشرة أو غير مباشرة بشأن الودائع يرفع مستوى الثقة ويطمئن المواطن وبالتالي لا يستعجل سحب أمواله من المصرف.

أما إذا بقيت الثقة ضعيفة في النظام المصرفي نتيجة التقصير والإهمال والأخطاء، سيكبر حجم القطاع المالي الموازي غير الخاضع للرقابة والتنظيم وبالتالي تزداد خطورة العمليات المالية في الدولة. هنالك مؤشرات سلبية أخرى مهمة منها وجود أموال خارج النظامين الرسمي وغير الرسمي، أي عندما يبقي المواطن أمواله خارج الأنظمة أي في منزله وعمله مما يساهم في تعطيل الدورة الاقتصادية العامة ويتسبب في تقليص حجم الاقتصاد. مشكلة الثقة أن بناءها صعب لكن خسارتها تكون كاملة وسريعة. تبقى رقابة القطاع المصرفي مهمة لمنع سوء التصرف واستغلال الضمانات، وبالتالي تجنب الرقابة حصول مخاطرات مصرفية غير مدروسة معتمدة على ضمانات أهدافها مختلفة.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdh2vfc3

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"