مشاكل إسبانيا وطموحاتها الجيوسياسية

01:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

الحسين الزاوي

عادت إسبانيا مؤخراً إلى واجهة الأحداث لتتصدر المشهد الأوروبي بشكل لافت لأسباب داخلية وخارجية، فعلى المستوى الداخلي تعيش مدريد وضعاً سياسياً غير مستقر، نتيجة لفشل القوى السياسية المتنافسة على مقاعد البرلمان في الانتخابات التشريعية، التي شهدتها البلاد في شهر يوليو/ تموز الماضي، في الحصول على الأغلبية الكافية لتشكيل الحكومة، الأمر الذي أدى إلى تأخر زعيم حزب الشعب بيدرو سانشيز عن تشكيل حكومة جديدة حتى قبل أيام؛ أما على المستوى الخارجي فإن إسبانيا تريد أن تدافع عن حقها في أن تكون قوة إقليمية وازنة في جنوب المتوسط، للمحافظة على مصالحها الجيوسياسية في مواجهة أبرز منافسيها في المنطقة وفي مقدمتهم فرنسا وإيطاليا.

ويعتقد المتابعون للشأن الداخلي الإسباني أن الاستقطاب الرياضي الحاد بين العاصمة الملكية مدريد وعاصمة إقليم كتالونيا برشلونة، بات يطال أيضاً المجالين السياسي والاقتصادي؛ إذ إنه ومنذ المحاولة الفاشلة لانفصال كتالونيا سنة 2017، بدأ هذا الإقليم يشهد تراجعاً على المستوى الاقتصادي بعد أن كان يحقق أعلى مستويات التنمية في إسبانيا منذ 25 سنة خلت؛ وتسعى مدريد من خلال عملها على استقطاب الاستثمارات الدولية لأن تتحول إلى حاضرة عالمية كبرى قادرة على جلب ثروات القارتين الأمريكيتين على غرار ما قامت به مدينة ميامي الأمريكية، كما يقول الباحث نيكولاس كلين.

وعلاوة على هذا التنافس الذي يرخي بظلاله على الوضع العام في إسبانيا، فإن الوضع العام يزداد تعقيداً بسبب الهشاشة السياسية والمؤسساتية في البلاد الناتجة عن سيادة نمط اقتراع نسبي لا يتيح، إلا في ما نذر، لأي حزب سياسي الحصول على الأغلبية في البرلمان بالشكل الذي يسمح له بالقيام بتشكيل حكومته دون التحالف مع أحزاب صغيرة، تستغل فرصة حصولها على بعض المقاعد من أجل ابتزاز الحزب الذي يحصل على المرتبة الأولى؛ وبالتالي فإن عدم استقرار مؤسسات الحكم في مدريد وتأرجح مواقف المناطق الانفصالية بشأن السياسة العامة للحكومة لاسيما في إقليمي الباسك وكتالونيا، يقلصان بشكل واضح من هامش المناورة ومن حرية الحركة لدى النخب السياسية الحاكمة.

ويمكن القول إن الصعوبات الداخلية للنظام السياسي لإسبانيا لا تمنع هذه الدولة من لعب دور جيوسياسي محوري في العالم بحكم التأثير الثقافي واللغوي الذي تمارسه على كل الدول الناطقة بالإسبانية وبخاصة في أمريكا اللاتينية التي تمثل في مجملها المستعمرات السابقة للملكة الإسبانية؛ وعليه فإن النفوذ الأنجلوساكسوني في العالم لا ينافسه الآن من الناحية العملية سوى النفوذ الإسباني اللاتيني، وهي المنافسة التي وصلت إلى داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، التي اشتكى رئيسها الأسبق رونالد ريغان من الانتشار المذهل للغة الإسبانية على حساب اللغة الإنجليزية في المناطق الحدودية لبلاده مع المكسيك.

وتنتهج إسبانيا على المستوى الدولي سياسة خارجية تتسم بالكثير من الجرأة في ما يتصل بالعديد من الملفات الملتهبة ومن بينها القضية الفلسطينية، فقد صرّح بيدرو سانشيز بعد تشكيل حكومته الجديدة أنه سيعمل بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد طالب في السياق نفسه إسرائيل بوقف قصفها للمدنيين في غزة وبتطبيق القانون الدولي الإنساني.

نخلص تأسيساً على ما تقدم، إلى أن اسبانيا ورغم محدودية مواردها وتواضع عدد سكانها وكثرة متاعبها الاقتصادية والمجتمعية، إلا أنها تمتلك من القوة الناعمة ما يكفي لكي تواصل معاركها الخارجية الهادفة إلى الدفاع على مصالحها الجيوسياسية، من خلال استثمار ما تمتلكه من رصيد إيجابي من الاحترام والتقدير لدى شعوب الشرق من أجل أن تكون همزة الوصل بين الشرق والغرب بعيداً عن سجالات حروب الهويات الدينية القاتلة..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s35bmww

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"