لبنان وتركيا وتعديل الدساتير

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

محمد نورالدين

تركيا واحدة من الدول التي تعدّل دستورها كل بضع سنوات، وأحياناً في أوقات متقاربة جداً. تعديل الدساتير في أي بلد هو خطوة صحيّة وسليمة لكي يتمكن أي نظام سياسي من تطوير نفسه ومواكبة روح العصر.

ومن الدول التي تعتبر «جافة»، و«معادية» لتعديل الدستور من أجل خلق آفاق جديدة لمستقبلها، هي لبنان. لقد اندلعت حرب أهلية طاحنة في عام 1975 استمرت 15 عاماً، إلى أن تم تعديل الدستور، أو بالأحرى وضع دستور جديد بالكامل غيّر بالفعل شكل النظام السياسي، وأسسه وجعل الكتلة المسلمة، بكل مذاهبها، هي المسيطرة على مفاصل النظام على حساب النفوذ المسيحي. لكن، منذ عام 1989 تاريخ وضع الدستور الجديد المعروف باسم «اتفاق الطائف»، والذي أنهى الحرب الأهلية، دخل لبنان في مشكلات سياسية خطرة تخللتها نزاعات، وصدامات، وتعطيل في السلطات، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بتشكيل الحكومات، إذ ليس من مهلة لرئيس الحكومة المكلف لتشكيل حكومته، ويبقى سنوات عدة إن شاء، من دون تشكيل حكومة، ويبقى البلد بلا حكومة كل هذه الفترة. أيضاً الأمر ينطبق على مسألة أخرى، وهي ما يعانيها لبنان اليوم، وهي عدم قدرة البرلمان على انتخاب رئيس جديد للجمهورية. فلا الدستور يسمح بانتخاب الرئيس من الشعب فتُحلّ المشكلة نظرياً، على الأقل. ولا البرلمان يستطيع انتخاب رئيس للجمهورية إلا إذا كان نصاب كل الجلسات ثلثي عدد النواب.

حلّ هذه المشكلات الدستورية يكون سهلا للغاية بتعديل الدستور، بحيث ينص على مُهل لرئيس الحكومة لتشكيل الحكومة، وعلى جلسات نيابية بأغلبية النصف زائد واحداً، لانتخاب رئيس. ولكن المشكلة هنا هي في التوازنات الطائفية التي تحول حينها دون كل هذه التعديلات. يعني ان الطائفية هي علّة العلل.

وإذا ذهبنا إلى تركيا فإنها واجهت سطوة المؤسسة العسكرية عام 2007 بتعديل الدستور، وطرح ذلك على استفتاء شعبي ينص على انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب. ومن ثم حلّت السطة السياسية مسألة عدم الاستقرار السياسي بالانتقال من نظام برلماني تتحكم فيه الأحزاب وتحالفاتها إلى نظام رئاسي تكون الصلاحيات فيه بيد رئيس الجمهورية، وهو الذي يشكل الحكومة، ويفرض كل شيء على مدى خمس سنوات كاملة، وهو ما جرى عام 2017. ومع أن الأمر على هذا النحو، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليس راضياً عن فترة السنوات الخمس الماضية من تجربة النظام الرئاسي.

وخلال عودته من ألمانيا، الأسبوع الفائت، تحدث أردوغان عن تعديل الدستور ليكون انتخاب الرئيس بالأغلبية المطلقة من الدورة الأولى، وبالتالي إلغاء قاعدة شرط الفوز بنسبة خمسين زائد واحداً. لكن بيت القصيد في كل هذه الحركة، وفقاً لكل المحللين والسياسيين، أن أردوغان يريد تعديلات دستورية لطرحها على استفتاء شعبي من أجل تعديل بند آخر في الدستور، وهو أن يسمح له بالترشح مرة رابعة للانتخابات الرئاسية عام 2028، وهو ما يمنعه الدستور الحالي. تعديل الدستور إذا حصل قد لا يتيح لأردوغان الترشح مرة جديدة فقط للرئاسة بل أن يكون مرات عدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ywwz2knp

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"