«كوب 28» والتحول في الوعي البيئي

00:13 صباحا
قراءة 3 دقائق

يسعى مؤتمر «كوب 28»، الذي تحتضنه هذه السنة دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى فحص التقارير التي تصدرها الدول الموقّعة على اتفاقية المناخ، وإلى دراسة وتحليل البيانات المتعلقة بالانبعاثات المقدمة من طرف الدول المشاركة في هذا المؤتمر، الذي سيكون مناسبة لكي تقدم فيه الإمارات تجربتها الرائدة في مجال خفض الانبعاثات، ومشاريعها المستقبلية الهادفة للوصول إلى مستوى صفر من الانبعاثات من خلال الاعتماد الكلي على الطاقات النظيفة.

وينعقد هذا الحدث الدولي في الوقت الذي يقف فيه العالم على أعتاب مرحلة جديدة في تاريخ البشرية، تميِّزها العودة التدريجية للوعي البيئي الذي كاد أن يندثر، بعد أن دخل الإنسان مرحلة الثورة الصناعية التي أفقدته صلته بالطبيعية التي تربطها علاقة قوية بالأنساق غير العلمية الصادرة عن حدس عميق، يُنصت إلى أصوات الطبيعة، بعيداً عن لغة الأرقام الصماء، ومن ثم، فإن الوعي البيئي ليست له بنية خطية، وهو خلافاً للتفكير العلمي الجامد، لا يرى أن ما هو صالح في مرحلة من المراحل سيكون بالضرورة صالحاً في المستقبل. كما يتوقع المتابعون أن تكون النسخة الإماراتية من المؤتمر السنوي للمناخ، نقطة تحوّل حاسم في مجال المشاريع الدولية التي تعمل من أجل تحقيق الأهداف الكبرى المتعلقة بخفض الانبعاثات، وتقليص الاحتباس الحراري، والذي يعد اتفاق باريس لسنة 2015 محطة بارزة من محطاته التي عملت هيئة اتخاذ القرار الرئيسية في اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بالمناخ منذ التسعينات من القرن الماضي، على رعايته من أجل حماية كوكب الأرض من التغيّرات المناخية التي تهدّد سكان العالم، بموجة غير مسبوقة من الفيضانات والجفاف، وقد تؤدي أيضاً إلى موجات غير مسبوقة من الهجرات السكانية.

لقد مرّت إذن، عقود طويلة قبل أن يشرع الإنسان في الاهتمام بالمحيط الذي يجمع الكائنات الحية بالطبيعية، وانقضت أكثر من أربعة عقود على تحوّل البيئة إلى موضوع سياسي ومجتمعي يوجّه اهتمام الأفراد نحو مخاطر عدم التعامل بجدية مع تدهور أوضاع البيئة، بسبب الاستثمار المفرط لموارد الطبيعة، لذلك فإن مؤتمر المناخ في الإمارات يطمح إلى أن يُحدث القطيعة مع هذه العقود العجاف، من خلال التركيز على النقاط التالية: تسريع عملية الانتقال الطاقوي،، وخفض مستوى الانبعاثات قبل سنة 2030، اعتماد صفقة جديدة أكثر فاعلية لتمويل مشاريع المناخ، تطوير القدرات المساعدة على الصمود في مواجهة التقلبات السلبية للمناخ، إشراك الشباب وجمعيات المجتمع المدني في مشاريع حماية البيئة، وخلق إطار معيشي قائم على احترام الطبيعة.

الإمارات بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وفّرت كل الظروف الملائمة من أجل إنجاح هذا التجمع الدولي الضخم، وتعمل الإمارات بوصفها الدولة المستضيفة للمؤتمر على جعل أقوالها مقترنة بالأفعال، إذ إنه ورغم كونها بلداً منتجا للنفط وعضواً بارزا في أوبك، إلا أنها قامت باستثمارات ضخمة في مجال الطاقات المتجددة، وعملت على تطوير كل ما يتصل بتقنيات الحفاظ على البيئة، وقدمت التزاماً يقضي بالتخلص بشكل كامل من الانبعاثات الناجمة عن الوقود الأحفوري مع حلول سنة 2050، ومن ثم فإن مؤتمر المناخ الذي تنظمه دبي يمثل مناسبة لكي يكون العالم شاهداً على إنجازات الإمارات في مجال تطوير المدن الصديقة للبيئة.

البشرية مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بأن تجعل معارفها العلمية مقترنة بحبها للطبيعة، وسيكون مؤتمر دبي للمناخ أفضل مكان للمصالحة بين العقل والطبيعة، بكل تجلياتهما المبهرة، كما سيكون اللقاء محطة فارقة، تتّحد فيها الجهود من كل بقاع المعمورة، لتطوير العمل المناخي بالتعاون بين الحكومات والمجتمعات والفاعلين الاقتصاديين، في مختلف القطاعات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4jjsu48d

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"