كتب – بنيمين زرزور:
الحديث عن سقوط القارة الأوروبية في براثن اليمين المتطرف والحركات الشعبوية المتحالفة معه، ليس جديداً وإن كانت مجموعة من التطورات خلال العامين الماضيين قد أنعشت آمال هذه الحركات بتسريع وصولها إلى السلطة في أكثر من دولة عضو، خاصة بعد الحرب في أوكرانيا.
تكشف الانتخابات البرلمانية تباعاً عن مفاجآت تعزز حظوظ أحزاب اليمين، بينما تستعد دول القارة لخوض الانتخابات البرلمانية الأوروبية في يونيو/ حزيران المقبل، وسط تهديد لا يخفى بحدوث انقلاب «يميني» يهدد وحدة الكتلة.
أحدث تلك المفاجآت جاء من هولندا؛ حيث فاز حزب الحرية بزعامة غيرت فيلدرز ب37 مقعداً من أصل 150، في البرلمان الهولندي، أي بنسبة 24% من الأصوات، متغلباً على أقرب منافسيه، ما اعتبره المراقبون إهانة للمؤسسة الهولندية، وزلزالاً سياسياً آخر في أوروبا.
كانت النخب الأوروبية تقول قبل الانتخابات، إن دولة «منطقية» مثل هولندا تعد محصنة ضد الشعبوية. ووصفت انتخابات عام 2017 بأنها تمهيد لموت الشعبوية الهولندية، عندما خسر «حزب الحرية» أمام رئيس الوزراء الوسطي مارك روته على الرغم من قيادته البلاد لفترة طويلة. وسجل حزب فيلدرز تراجعاً أكبر عام 2021؛ حيث حصل على 11 في المئة فقط من الأصوات.
تمرد في صناديق الاقتراع
وحتى في الأيام الأخيرة، تجاهلت وسائل الإعلام الأوروبية احتمال حدوث تمرد في صناديق الاقتراع. وقالت صحيفة «فايننشال تايمز» الأسبوع الماضي إن «الهولنديين لا يعرفون القفزات السياسية الجامحة». لكن هذا الشعور بالرضا عن الذات قد تغيّر الآن.
ولعبت إجراءات التقشف الخضراء التي أقرها الاتحاد الأوروبي دوراً رئيسياً في تأجيج احتجاجات المزارعين التي اندلعت في هولندا على مدى السنوات القليلة الماضية. فقد فرضت الحكومة الهولندية، تحت ضغط من بروكسل، قيوداً مشددة على انبعاثات النيتروجين الناجمة عن الأسمدة وبراز الماشية. وقد تؤدي هذه القيود إلى إغلاق ما يصل إلى 3000 مزرعة، الأمر الذي أدى إلى تحريض المزارعين على مدى سنوات.
لقد أظهر الناخبون منذ فترة طويلة استعدادهم للبحث عن نكهات مختلفة من الشعبوية، وطرق ووسائل مختلفة للرد على النخب السياسية غير المبالية. وفي الحالة الهولندية، يبدو أن فيلدرز كان المستفيد من إخفاقات منافسيه.
ويرى البعض أن الشعبوية في أوروبا موجودة لتبقى. وتعتقد ماري لوبان زعيمة اليمين الفرنسي أن هناك إمكانات هائلة هنا لأولئك الذين يريدون رؤية هذه الثورة الديمقراطية مدفوعة في اتجاه أكثر إيجابية وتقدمية.
وإذا كان اليمين المتشدد في أوروبا بحاجة إلى مزيد من المحفزات، لتسريع محركه الانتخابي مرة أخرى في أعقاب النكسة الكبرى التي شهدتها بولندا، فإن فوز غيرت فيلدرز هو أحدث وأهم تلك المحفزات.
اليمين ينهئ
فقد توالت التهاني بعد فوزه من جميع الجهات؛ حيث يتمتع اليمين المتطرف ببعض النفوذ في القارة بعد أن حقق الزعيم المناهض للإسلام والمهاجرين فوزاً انتخابياً غير متوقع بقدر ما كان هائلاً. وتضاعف حجم حزبه في البرلمان، ليتفوق على الأحزاب الرئيسية التي تخصصت لفترة طويلة في تهميشه.
وفجأة لاح الأمل مرة أخرى للشعوبيين القوميين المحافظين، خاصة مع اقتراب موعد انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/ حزيران. وقالت أليس فايدل، زعيمة «حزب البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، عندما هنأت فيلدرز على فوزه: «أوروبا كلها تريد تحولاً سياسياً! إن الأمل الآن يتجاوز حد اليقين».
ويأمل اليمين المتطرف الآن في المضي قدماً في قارة أدت الحرب الروسية في أوكرانيا، والهجرة الفوضوية على حدودها، وانتشار الفقر بسبب التضخم، إلى تحويل أي انتخابات ديمقراطية، إلى اختبار صعب؛ حيث تكون النتيجة غير مؤكدة أبداً.
فقد وسع حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشهر الماضي، نطاق انتشاره من قاعدته المهيمنة في شرق البلاد الشيوعي سابقاً من خلال تحقيق نجاحات لافتة في الغرب الألماني.
وفي وقت سابق، كانت سلوفاكيا قد تحولت بالفعل إلى الشعبوية مع فوز حزب «سمير» الذي يتزعمه روبرت فيكو في الانتخابات العامة، وتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب قومي متطرف.
وكانت الآمال كبيرة في أن يؤدي التصويت في بولندا في أواخر أكتوبر إلى تعزيز هذا الارتفاع، لكن حزب القانون والعدالة المحافظ المتطرف، خسر السيطرة على الحكومة البولندية لمصلحة ائتلاف معتدل. والآن، نجح فيلدرز في إعادة حركة اليمين المتطرف الشعبوية إلى المسار الصحيح.
وقال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي حولته قضاياه العديدة المتعلقة بسيادة القانون مع الاتحاد الأوروبي إلى لعنة على أنصار الديمقراطية الليبرالية الغربية: «لقد وصلت رياح التغيير»
وكانت ماري لوبان في فرنسا تحلم بالإمساك بالسلطة لأكثر من عقد من الزمان، وهي ترى الآن أن المثابرة يمكن أن تؤتي ثمارها. وهي سعيدة بوجود حليف قوي آخر لديه كراهية مماثلة للاتحاد الأوروبي. وتقع الكتلة المكونة من 27 دولة على رادار كل سياسي شعبوي يميني متطرف تقريباً؛ حيث يتعرض الاتحاد للسخرية باعتباره عملاقاً متسلطاً يخنق الهويات الوطنية ولكنه يوفر الدخول المجاني للأشخاص الذين يقوضون ما يعدونه قيماً مسيحية تقليدية.
وباعتبارها عضواً مؤسساً في الاتحاد الأوروبي، ورابطاً تجارياً حيوياً بين العديد من أقوى دوله، فقد تواجه هولندا مشكلات في قطع الحبل السري الذي يربطها بالكتلة.
ويدعو فيلدرز إلى إجراء استفتاء على «الخروج من الاتحاد»، وهو نسخة هولندية من خروج بريطانيا. وتعتمد السياسة الهولندية على التحالفات بين عدة أحزاب، ولم يحذو أي حزب آخر حذو فيلدرز في ذلك.