روسيا والصين والدولار

21:26 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة*
تهدف العقوبات على روسيا إلى منعها من الحصول على إيرادات كبيرة لتمويل حربها في أوكرانيا. تهدف العقوبات التجارية على الصين إلى منعها من تطوير قطاع التكنولوجيا الداخلي الذي بدأ يُخيف الغرب. هنالك قلق غربي من استعمال التكنولوجيا المستوردة لتطوير الآلية العسكرية الصينية، ما يهدد دول الجوار بطريقة جدية. اجتماع الرئيسين الأمريكي والصيني مؤخراً في سان فرانسيسكو ربما يخفف التشنج ويحسن العلاقات. عقوبات اليوم لا تقتصر على إقفال الأسواق الداخلية أمام الواردات، بل ترتكز أكثر على منع الصادرات إلى أسواق معينة ولإنتاج سلع وربما خدمات مهمة.

يحاول الغرب اليوم الهروب من العولمة التي اخترعها، ومن ثَم تخفيف الاعتماد على الصين في العديد من السلع خاصة تلك التي تحتوي على تكنولوجيا متطورة وفاعلة. هنالك وقائع تشير إلى عودة بعض الصناعات الغربية إلى المنشأ، وهذا وإن كان ليس له جدوى اقتصادية، لكن له حتماً جدوى سياسية وقائية خوفاً من المستقبل. لكن مشكلة التضخم تبقى كبيرة وتؤذي المواطنين بالرغم من استعمال احتياطي النفط مراراً من قبل الإدارة الأمريكية. التضخم يؤذي كل الغرب بل كل العالم، وهنالك خوف من مواجهة الطقس المتقلب في كل الدول خاصة في أوروبا.

ما السلاح الروسي الأقوى تجاه الغرب؟ النووي مهم لكنه يواجه ويؤذي الجميع. السلاح الأقوى هو النفط والغاز الذي يؤذي المواطن في منزله وعمله، ويضعف إنتاجيته في الشتاء والصيف. هنالك ضرورة في الدول الغربية لجعل سياسات الطاقة أكثر واقعية. إذا رغب الغرب في المواجهة فعليه ربما تأخير التنويع وتأجيل بعض الإجراءات التي تحمي البيئة. عليه تخفيف العقوبات على دول أخرى يمكن أن تصدر الغاز والنفط إلى أوروبا. يمكن وضع ضرائب إضافية على أرباح شركات النفط وتحويلها إلى المواطن العادي الذي يعاني معيشياً وحيوياً. كما يمكن تحويلها إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة في كافة أنحاء أوروبا وربما العالم. المطلوب واقعية في السياسة، لأن ما يجري في أوكرانيا وفي الجوار الصيني له أبعاد طويلة الأمد.

هل تعود العلاقات إلى ما كانت عليه بين روسيا والغرب عندما تنتهي الحرب الأوكرانية؟ من الصعب ذلك، لأن الأذى المادي والنفسي وقع، وتتطلب المعالجات الكثير من الجهد، لأن هنالك ضحايا وخسائر وقعت. هل تتحسن العلاقات مع الصين؟ هذا يعتمد على كيفية إدارة الصين علاقاتها مع الجوار، وبأي طرق يواجهها الغرب اقتصادياً وتجارياً. هنالك منافسة دولية واضحة حول القوة والنفوذ والمصالح، وربما لن يكون هنالك رابح وخاسر، بل خاسرون في المادة والوقت. بالرغم من أن روسيا تواجه العقوبات اليوم بنجاح ربما مؤقت فالصين أقوى كثيراً وتخيف أكثر على المدى البعيد. نضيف إلى ذلك أن المواضيع الثقافية والاجتماعية مشتركة أكثر بين الغرب وروسيا مقارنة بما بين الغرب والصين، وهذا في غاية الأهمية. ما يسعف الولايات المتحدة في هذه المواجهات الحادة ليس القوة العسكرية والاقتصادية، بل قوة الدولار التي تعطيها أفضليات لا مثيل لها.

*كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/u8azcevz

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"