كلنا مصابون

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

بين مقاعد الدراسة الجامعية والحياة العملية حيث ينتقل الشباب من النظريات والحفظ إلى التطبيق والاحتكاك بالواقع، مرحلة تعليمية مختلفة، تتولى فيها التجارب والخبرة والحياة اليومية دور المعلّم الذي يترك بصمات لا تُنسى في كل تلميذ، بصمات بعضها يكون موجعاً وبعضها طيباً ولكنها لا تمحى بل تدفع الإنسان إلى تكوين نظريات جديدة والتعامل مع الحياة بمنظور أكثر دقة وفاعلية وواقعية. 
كلما اشتعلت حرب وجبهات في أرض ما، نتسمر أمام الشاشات ونراقب تحركات السياسيين وأقوالهم وقراراتهم، ونتألم مع الأبرياء المتألمين، ونتحسر على الإنسان والإنسانية.. لكننا على الجانب الآخر لا ننتبه إلى أن تلك الحرب تصل بتداعياتها إلى عقر دارنا مهما بعدت وامتدت المسافات بين بلدنا والبلد المصاب بابتلاء الحرب؛ لا ننتبه إلى أن من يدرس السياسة لا بد أن يدرس معها الاقتصاد، ومن يفهم هذه عليه أن يربط بها تلك ويفهم العلاقة الوطيدة بينهما التي تظهر جلية خلال الأزمات، والتاريخ والواقع والحاضر شهود على ذلك. 
مما قرأناه، حديث للأستاذ المشارك في جامعة أريزونا وزميل عالمي في مركز ويلسون، جيفري كوتشيك، لمجلة ناشيونال إنتريست الأمريكية، ومما يقوله فيه: «إن الناتج المحلي الإجمالي السنوي لأوكرانيا انخفض بنسبة 30% في السنة الأولى من الحرب مع روسيا. وتم تعديل توقعات النمو الإسرائيلية بالخفض بنسبة 23% في الشهر الأول من الحرب على غزة. كما تحمل العديد من الاقتصادات الأخرى (سوريا وميانمار وإثيوبيا) ندوباً دائمة من الصراع طويل الأمد».. ونحسب أن انعكاس الحروب تلك ترك أثره السلبي على الداخل (في كل دولة) فقط، بينما الحقيقة تكشف مدى تأثر الاقتصاد العالمي كله بتلك الحروب وتلك الصراعات. 
لا تنفصل السياسة عن الاقتصاد، ولا ولن تبقى انعكاسات الحروب على الداخل في الدول المشتعلة، بل كلنا متضررون منها، وكلنا مصابون، وكلنا نعاني وسنعاني، والكل يدفع ضرائب الحروب البعيدة والقريبة على حد سواء.. حتى من يتاجر بهموم الآخرين لا بد أن «يتذوق السم» ولو بجرعات خفيفة. ما نتعلمه مما نعيشه في الحياة دروس لا جدال فيها وحقائق نلمسها وخبرات المفروض أن تزيدنا حكمة ووعياً، فهل نتعظ ونستفيد ونميز بين السفسطة والحقيقة العملية؟ وهل نجيد قراءة المشاهد وما خلف كواليسها وما سيترتب عليها، بكل منطق وحكمة بعيداً عن دهاليز السياسة وما تجرفنا إليه وفق مصالح ضيقة أو توجهات تخدم القلة المنحازة على حساب الأغلبية؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3sjjzr42

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"