المناخ والفائدة وعدم الاستقرار.. صورة ضبابية لسوق السلع 2023

16:42 مساء
قراءة 6 دقائق

مع قرب انتهاء العام 2023، حان الوقت التأمل في هذه السنة، المليئة بالمفاجآت الجيدة والسيئة، وكيف مرت على سوق السلع الرئيسية. حيث لعبت التغيرات المناخية، بالإضافة إلى معدلات النمو الاقتصادي ومخاوف تراجع الطلب التي كان لها تأثير كبير على سوق الطاقة والمعادن الصناعية، دوراً مهماً، مما أدى إلى أداء هو الأفضل في جانب والأسوأ في جانب آخر.

بدأ العام بحالة من التفاؤل نتيجة عودة النشاط الاقتصادي في الصين بعد أشهر من عمليات الإغلاق المرتبطة بانتشار وباء كوفيد التي أسهمت بانطلاقة جيدة للأسواق. لكن الأمور لم تكن جيدة بالمطلق حيث تزايد قلق الأسواق بشأن خطر التداعيات الاقتصادية الناجمة عن سياسة البنك المركزي المستمرة والشرسة في رفع أسعار الفائدة بهدف السيطرة على التضخم. بدأت هذه المخاوف في التراجع في الربع الأخير فقط بعد أن تلقت الأسواق أخيراً إشارات ترجح أن الخطوة التالية هي نحو خفض أسعار الفائدة. كما أدت الحرب في الشرق الأوسط، والحرب الروسية المستمرة في أوكرانيا، والهجمات على السفن في البحر الأحمر مجتمعة إلى زيادة المخاطر الجيوسياسية وتزايد الانقسامات على مستوى العالم.

كما شهد العام الحالي زخماً في التحول الأخضر، خاصة في الصين حيث يبدو أن الطلب على الوقود سيصل إلى ذروته العام المقبل. إلا أن هذا التركيز على التحول الأخضر لم يسهم بشكل كبير في دعم الشركات التي تتطلب الكثير من التمويل للمشاركة في عملية الانتقال حيث واجهت ضغوط بيع شديدة خلال النصف الثاني من العام وسط تقييمات عالية تعرضت لضغوط من الارتفاع السريع في تكلفة الحصول على التمويل نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة والعوائد. تسلط تصنيفات الأسهم في ساكسو بنك الضوء على هذا الضعف حيث كان التحول الأخضر والطاقة المتجددة وتخزين الطاقة هي التصنيفات الأسوأ أداءً في حين تمركزت السلع الرئيسية بالقرب من منتصف الجدول بعد أن حققت عوائد بنسبة تقارب 12٪.

ومع ذلك فمن المتوقع أن تشهد هذه القطاعات التي تعاني من ضعف الاستثمارات تحسناً في عام 2024، وذلك نتيجة انخفاض تكاليف التمويل في العام المقبل بالإضافة إلى الجهود المستمرة لمواجهة تغير المناخ. ومع استمرار ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة، فإن عملية التحول نحو الطاقة النظيفة لا تعد بديلاً مطروحاً في الوقت الحالي، حيث وصل الطلب على الغاز والنفط الخام والفحم أيضاً إلى مستويات قياسية جديدة.

حقق مؤشر بلومبرغ للعائد الإجمالي للسلع في العامين الماضيين، عائداً بنسبة 27٪ في عام 2021 و 16٪ في عام 2022

حقق مؤشر بلومبرغ للعائد الإجمالي للسلع – الذي يتتبع أداء 24 عقداً آجلاً للسلع الرئيسية، موزعة بالتساوي تقريباً بين الطاقة والمعادن والزراعة – في العامين الماضيين، عائداً بنسبة 27٪ في عام 2021 و 16٪ في عام 2022. مع وضع ذلك في الاعتبار، ربما لم يكن مفاجئاً، بالنظر إلى التحديات التي شهدها العام الماضي، أن يحقق المؤشر أرباحاً بنسبة 8٪ تقريباً. كما يجب الانتباه إلى أنه في حال استثنينا الغاز الطبيعي الأمريكي، الذي انخفض بنسبة 67٪، من المؤشر، فإن التداولات حافظت على استقرارها على مدار العام.

تم دعم العوائد على الاستثمار لعام آخر، حيث شهدت السوق حالة تأجيل في تداول السلع الأساسية، وهي حالة تعكس الظروف الضاغطة على الأسواق. وساعد هذا في توفير عائد إيجابي عندما تم تحويل عقود العقود الآجلة التي تنتهي إلى عقد الشهر التالي بسعر أقل، في حين أن عائد العقود على أساس سنوي قد انخفض إلى 3.3 ٪ من حوالي 9.4 ٪ في هذا الوقت من العام الماضي، فإنه لا يزال يوفر بعض الدعم للمستثمرين والذي كان غائباً في سنوات ما قبل كوفيد عندما كان متوسط عائد العقود الآجلة حوالي -5 ٪.

شهدت بداية العام، تراجعاً في العرض في قطاع الطاقة في المقام الأول– حيث تراجع المعروض من النفط الخام والمنتجات المكررة، مثل البنزين وخاصة الديزل، بشكل كبير نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا والتوقعات المتفائلة بخصوص حجم الطلب الصيني. ومع ذلك، احتل القطاع الزراعي، اعتباراً من مايو فصاعداً، مركز الصدارة حيث ساعدت التطورات المناخية لظاهرة النينيو، نصف الكرة الجنوبي بشكل أساسي، في إثارة الظروف الضاغطة على الأسواق وارتفاع أسعار السكر والكاكاو والقهوة – والذين قدموا أفضل أداء لهذا العام – كان أكثر من كافٍ لتعويض التأثير السلبي الناجم عن تراجع أسعار الحبوب بعد موسم حصاد وفير في نصف الكرة الشمالي.

يمكننا أن نرى، وفقاً للجدول أدناه، الدور الذي لعبته بعض السلع الأساسية في المساعدة في السيطرة على التضخم. أظهر مؤشر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) لأسعار الغذاء انخفاضاً بنسبة 10.7٪ على أساس سنوي في نوفمبر، مدفوعاً بتراجع أسعار الحبوب مثل القمح والذرة، وكذلك الزيوت النباتية ومنتجات الألبان. كما عانى الغاز الطبيعي، وهو مصدر رئيسي للطاقة المستخدمة في توليد الكهرباء، من انخفاضات كبيرة في جميع أنحاء العالم، وعلى الأخص في الولايات المتحدة حيث ساعد مستوى الإنتاج القياسي والمخزونات المرتفعة والطقس المعتدل في على انخفاض الأسعار بنسبة 67٪، ولكن أيضاً في أوروبا حيث استمرت أسعار الغاز في الانخفاض بعد ارتفاعها في عام 2022 نتيجة الإنتاج الكبير من المصادر المتجددة، والطقس المعتدل، وتحسين القدرة على الحصول على الغاز الطبيعي المسال ليحل محل الغاز المسال من روسيا، بالإضافة إلى ضعف الطلب الصناعي.

  • الذهب

حقق الذهب، الذي ارتفع بنحو 12٪ على أساس سنوي بعد التداول ضمن نطاق 330 دولاراً، أداءً قوياً إلى حد ما، مدفوعاً باستمرار طلب البنك المركزي ومشتري التجزئة في آسيا، مما أسهم في موازنة عمليات البيع المستمرة من قبل المستثمرين الذين يركزون على عوائد حقيقية أعلى بشكل حاد وارتفاع تكلفة التمويل للحفاظ على استثماراتهم وسط الارتفاع المستمر في أسعار الفائدة قصيرة الأجل في الولايات المتحدة. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الجزء الأكبر من المكاسب قد تحقق خلال الربع الرابع عندما أشارت البنوك المركزية أخيراً إلى أن الخطوة التالية هي نحو تخفيض أسعار الفائدة.

  • النحاس

يعود تراجع مؤشر بلومبرغ للمعادن الصناعية بنسبة 12٪ في المقام الأول إلى ضعف أداء النيكل والزنك والألومنيوم، ويقابله جزئياً فقط مكاسب في القصدير والنحاس الذي ارتفع بنسبة 5٪ نتيجة الطلب القوي بشكل مفاجئ في الصين، بالإضافة إلى التوجه نحو التحول الأخضر نظراً لاستخدامه في تطبيقات متعددة. لقي سوق النحاس مع اقتراب العام من نهايته، دعماً من العديد من حالات عدم الاستقرار في العرض على المدى القصير والطويل، يضاف ذلك انخفاض مستويات المخزون بالفعل، وإعادة التخزين المحتملة من المستخدمين الصناعيين مع انخفاض تكاليف التمويل، من المرجح أن يشهد دعماً مستمراً في عام 2024.

  • النفط الخام

قضى برنت العام في التداول ضمن نطاق ضيق نسبياً يبلغ 27.5 دولاراً مقارنة بنطاق 64 دولاراً في عام 2022 عندما دفعت الحرب في أوكرانيا السوق إلى الارتفاع بشكل حاد، قبل الانهيار. ليصل للسعر الحالي البالغ حوالي 80 دولاراً، ويتم تداوله بأقل بقليل من المتوسط لهذا العام، ويمكن أن يعزى هذا النطاق الصغير نسبياً إلى محاولة أوبك+ الحفاظ على أسعار مستقرة من خلال التحكم في العرض بشكل فعال. ومع ذلك، ليس هناك شك في أن المجموعة ترغب في رؤية الأسعار ترتفع، لكن ارتفاع الإنتاج من الولايات المتحدة وإيران إضافة إلى دول أخرى، إلى جانب ضعف الطلب في الربع الرابع، ترك المجموعة بنصف انتصار فقط نظراً للفشل في تعزيز الأسعار مع التنازل عن حصتها في السوق.

صناديق التحوط تحافظ على حذرها قبل عام 2024

أدى استمرار البيع منذ أكتوبر من قبل صناديق التحوط ومستشاري تداول إلى انهيار صافي الاستثمارات طويلة الأمد عبر 24 عقداً آجلاً للسلع الرئيسية إلى مستويات شوهدت آخر مرة خلال أزمة كوفيد في أوائل عام 2020 عندما انخفض الطلب العالمي على السلع، وخاصة الوقود، بشكل حاد.

تسلط هذه التطورات الضوء على فئة الأصول التي تعاني من قلة الاستثمارات بشكل متزايد والتي عانت في عام 2023 وسط مخاوف تراجع النمو في الصين والعالم، والارتفاع الحاد في تكاليف التمويل مما دفع الصناعات إلى تقليل المخزونات الزائدة. كما تسلط الضوء على قطاع قد يشهد، في ظل الظروف المناسبة، انتعاشاً قوياً في عام 2024 بمجرد أن تصبح النظرة الفنية أو الأساسية أكثر دعماً، مما يؤدي إلى عمليات شراء جديد وتغطية قصيرة. يمكن أن تكون الدوافع التي قد تؤدي إلى مثل هذا التغيير هي تخفيض أسعار الفائدة مما يسهم في خفض تكاليف التمويل، ومع ذلك فإن فرق الأسعار للعقود الآجلة الذي يؤدي إلى إعادة ملء المخزونات، حيث تحافظ أوبك على رقابة صارمة على إمدادات النفط الخام، وخاصة إشارات تراجع العرض لعدد من السلع الأساسية التي ستساعد في تعويض خطر التباطؤ الاقتصادي في العديد من الاقتصادات الرئيسية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3v5e2rdk

عن الكاتب

رئيس استراتيجية السلع لدى «ساكسو بنك»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"