جهود تحقيق مستقبل رقمي شامل

21:53 مساء
قراءة دقيقتين

باهر عصمت *

تؤدي اللغة اليوم دوراً بالغ الأهمية في تشكيل ملامح تجربتنا في العالم الرقمي الذي يجوبه أكثر من 5.6 مليار شخص. لقد بتنا نعيش بشكل شبه دائم على شبكة الإنترنت، حيث نتواصل مع بعضنا بعضاً، ونبحث عن المعلومات، ونقوم بالعديد من المهام الأخرى باستخدام أي من أجهزتنا العديدة المتصلة بالإنترنت. وتشير العديد من الدراسات إلى أن شح المحتوى الرقمي باللغات المحلية، أو ما يطلق عليه المحتوى ذو الصلة، هو أحد أبرز المعوقات أمام متصفحي الإنترنت. إذ يعزز استخدام اللغة المحلية من مشاركة الناس ويجعل وصولهم إلى شبكة الإنترنت هادفاً ومفيداً.

لقد تطورت شبكة الإنترنت على مدى العقود الثلاثة الماضية لتصبح منصة عالمية يصعب الاستغناء عنها في مجالات الاتصالات والتجارة. فقد وصلت نسبة سكان العالم المتصلين بشبكة الإنترنت إلى 60% اليوم، غير أن اللغة الإنجليزية ليست اللغة الأولى للغالبية العظمى من هذه النسبة. بل إن نسبة من يجيدون اللغة الإنجليزية من سكان العالم لا تزيد في واقع الأمر على 20%، وعلى الرغم من ذلك نجد أن ما بين 50 إلى 60% من محتوى المواقع الإلكترونية باللغة الإنجليزية، كما أن معظم عناوين المواقع الإلكترونية وأسماء النطاقات تستخدم نصوصاً لاتينية، ما يعني أننا لم نتمكن بعدُ من خلق شبكة إنترنت تتجاوز حواجز اللغة ويستطيع الجميع الوصول إليها وتصفحها دون تفرقة.

وتتبدى أهمية شبكة الإنترنت الشاملة بشكل خاص في المناطق ذات التنوع اللغوي مثل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تشكل اللغة جزءاً لا يتجزأ من هوية الناس وثقافتهم وأفكارهم. وقد جاءت موافقة مجلس الشورى السعودي مؤخراً على مشروع قانون لتعزيز استخدام اللغة العربية في الجهات الحكومية وغير الحكومية، بمثابة شهادة على ما تمثله اللغة العربية وأهميتها في بناء هوية المجتمع.

وإلى جانب مفهوم الإنترنت الشامل الذي يتطلب اهتمامنا، يبرز هنا أيضاً جانب آخر مهم لازدهار اللغة والثقافة العربية وسط هذا التغير التكنولوجي السريع، وهو مفهوم القبول العالمي (UA)، وهو مطلب تقني وفني يضمن قبول جميع التطبيقات والأجهزة والأنظمة التي تدعم الإنترنت لجميع أسماء النطاقات وعناوين البريد الإلكتروني الصحيحة.

تبذل مؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة (ICANN) - وهي منظمة عالمية غير ربحية تضم أصحاب مصلحة متعددين تساعد في تنسيق التشغيل المستقر والآمن للإنترنت- جهوداً كبيرة من أجل القبول العالمي. وتعمل المؤسسة مع مجتمعها العالمي منذ أمد على توسعة نطاق الإنترنت والسماح للأشخاص بالوصول إلى الشبكة باستخدام أسماء نطاقات وعناوين بريد إلكتروني بلغاتهم ونصوصهم الأصلية. وتسمى هذه النطاقات أسماء النطاقات الدولية (IDNs).

ولا يعد القبول العالمي اليوم في هذا العالم المترابط مجرد إطار عمل تكنولوجي، وإنما هو بالأحرى رمز للوحدة العالمية والاعتراف بالتنوع اللغوي. إذ يضمن القبول العالمي إطاراً موحداً لقبول التطبيقات والأنظمة التي تدعم الإنترنت وتعرّفها بجميع أسماء النطاقات وعناوين البريد الإلكتروني الصحيحة، بغض النظر عن النص أو اللغة أو عدد الأحرف.

* المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا في مؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المُخصصة (ICANN)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2p9m5ws4

عن الكاتب

المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا في مؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المُخصصة (ICANN)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"