عادي
«الجزيرة» تستضيف أحدث الغواصات النووية وطائرات الجيل الخامس

غوام.. «حائط الصد» الأمريكي في المحيط الهادئ

00:24 صباحا
قراءة 8 دقائق
جزيرة غوام الساحرة مقر لكل أفرع القوات المسلحة الأمريكية

د. أيمن سمير

شكل إعلان الرئيس السابق، دونالد ترامب، لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي في 19 ديسمبر/ كانون الأول عام 2017 «مرحلة فارقة» في نظرة واشنطن لمنطقة غرب المحيط الهادئ، خاصة إلى جزيرة «غوام» التي تعد أبعد جزيرة عن البر الأمريكي، وتبعد عن كوريا الشمالية بنحو 3500 كم فقط.

ويعود سبب التغيّر في النظرة الأمريكية لجزيرة غوام التي احتلها اليابانيون بعد هجوم بيرل هاربر عام 1941، وحررها الحلفاء في عام 1944، إلى مجموعة من العوامل، أبرزها أن الولايات المتحدة كانت تضع الإرهاب في مقدمة المخاطر على الأمن القومي الأمريكي منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، وحتى نهاية ولاية أوباما الثانية، في 20 يناير/ كانون الثاني 2017، ومع تولي دونالد ترامب الحكم، بدأت واشنطن تنظر للصين بأنها الخطر الأكبر على المصالح الأمريكية، ومصالح حلفائها في شرق آسيا، والمحيطين، الهندي والهادئ، وزاد من أهمية جزيرة غوام للأمن القومي الأمريكي زيادة مدى الصواريخ الصينية، خاصة الصواريخ البعيدة المدى، و«الفرط صوتية»، إضافة إلى التحدي الجديد للهيمنة الأمريكية على المحيط الهادئ المتمثل في التفوق الصيني الكبير في المجال البحري، خاصة الغواصات، والغواصات النووية الهجومية، فضلاً عن بناء الصين لحاملة الطائرات الثالثة «فوجيان»، بأياد صينية خالصة، وكلها عوامل تقرّب الصين من الأراضي الأمريكية، وفق منظور مخططي الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، والذين يعتبرون جزيرة «غوام» بمثابة «حائط صد»، و«خط دفاع» متقدم، يجب الحفاظ عليه بكل الوسائل، بل وإعادة دور «غوام» الذي لعبته بعد تحريرها من اليابانيين، حيث تحولت وقتها إلى قاعدة لانطلاق الحلفاء في عملياتهم العسكرية ضد القوات اليابانية، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

الصورة

بلورت الخطط الأمريكية الجديدة رؤية بعيدة المدى في نظرة واشنطن للأهمية الاستراتيجية لجزيرة غوام، سواء للأمن القومي الأمريكي، أو أمن حلفاء أمريكا في منطقة «الأندو -باسيفك»، فالولايات المتحدة باتت تنظر لدور جزيرة «جوام» كحلقة رئيسية، و«قاعدة دعم لوجستي» لا يمكن التساهل بشأنها في كل ما يجري في الشرق الأقصى، وغرب المحيط الهادئ، خاصة ما يتعلق بالأسلحة النووية الكورية الشمالية، ومساهمة غوام في دعم حلفاء الولايات المتحدة في شرق وجنوب شرق آسيا، خاصة تايوان واليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وفيتنام وأستراليا، فما هي جزيرة غوام؟ وكيف تحولت للسيادة الأمريكية بعد أن كانت أراضي إسبانية؟ وما فرص ضربها من كوريا الشمالية، كما يهدد الزعيم الكوري الشمالي كيم جون أون؟ وهل لدى الصين خطة للسيطرة على الجزيرة، أو استهدافها في المدى القريب، أو المنظور؟

رأس الحربة

تحتل جزيرة غوام «رأس الحربة» في الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة النفوذ الصيني في كل منطقة غرب المحيط الهادئ، من شماله إلى جنوبه، ولهذا نقلت الولايات المتحدة أحدث معداتها التي تحظى بالتكنولوجيا العسكرية الفائقة إلى جزيرة غوام، بداية من منظومة الدفاع الصاروخية «ثاد»، وهي الأغلى في العالم، إضافة إلى أنها المنظومة التي تستطيع التصدي للصواريخ البعيدة المدى التي يمكن أن تطلقها الصين، أو روسيا، أو كوريا الشمالية، باعتبارها الخصوم التقليديين للولايات المتحدة في غرب المحيط الهادئ، وشرق وجنوب شرق آسيا، وتستضيف جزيرة غوام، التي لا تزيد مساحتها على 541 كيلومتراً مربعاً، ويصل عدد سكانها لنحو 181 ألف نسمة، فروعاً لكل أنواع القوات المسلحة الأمريكية، تتصدّرها قاعدتان عسكريتان رئيسيتان هما:

أولاً: قاعدة أندرسون الجوية، وهي على مساحة شاسعة تصل إلى 18 ألف فدان، وفيها نحو 200 طائرة عسكرية، تضم أفضل الطرز الحديثة، خاصة طائرات «إف 35» من الجيل الخامس، وطائرات «إف 16» متعددة المهام، وتعد أندرسون المكان المثالي لتزويد الطائرات الأمريكية بالوقود والمؤن، في طريقها عبر المحيط الهادئ إلى القواعد الأمريكية البعيدة، في اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، وتعد هذه القاعدة هي مقر الجناح 36 من القوات الجوية الأمريكية.

الصورة

ثانياً: قاعدة «إبرا» البحرية، وهي المنوطة بها مراقبة كل تحركات الأسطول البحري الصيني، وتعد آخر نقطة غرب الأراضي الأمريكية التي تتمركز فيها القوات البحرية الأمريكية، منذ تنازل مدريد لواشنطن عن جزيرة غوام عام 1898، عقب الانتصار الأمريكي في الحرب الإسبانية الأمريكية، ولم يقطع السيطرة الأمريكية على غوام إلا الغزو الياباني للجزيرة عام 1941 عقب الهجوم الياباني على بيرل هاربور، في هاوي، إلا أن القوات الأمريكية استعادتها في الجزء الأخير من الحرب العالمية الثانية عام 1944، وتحولت الجزيرة إلى منصة لإطلاق الهجمات على اليابان، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، واليوم، تعد قاعدة «إبرا» البحرية في غوام هي القاعدة الأهم لدعم اليابان، ونحو 46 ألف جندي أمريكي يتمركزون على الأراضي اليابانية، ونحو 29500 جندي في كوريا الجنوبية، كما تلعب هذه القاعدة دوراً كبيراً في التنسيق مع القواعد الأمريكية القديمة والمستحدثة في شمال شرق أستراليا، والقواعد الجديدة في فيتنام والفلبين، وتلعب هذه القاعدة دوراً خاصاً في كل التدريبات البحرية الأمريكية مع حلفاء واشنطن في شرق وجنوب شرق آسيا، ولهذا قامت الاستراتيجية الأمريكية حول «جزيرة غوام» على مجموعة من المحاور، هي:

أولاً «مبدأ الدفاع عنها وليس الدفاع فيها»:

وفي ظل التفوق الأمريكي الجوي والبحري والفضائي، سابقاً، كانت واشنطن لا تخشى أي شيء، حتى لو وصل الأمر لاحتلال الأعداء لجزيرة غوام، كما حدث في الحرب العالمية الثانية، فإن الولايات المتحدة قادرة، وبسهولة، على تحريرها كما حدث عام 1944 مع اليابانيين، لكن في ظل التطورات الجديدة، وقدرة الصواريخ الصينية ذات الرؤوس التقليدية والنووية على الوصول لكل شبر من الأراضي الأمريكية، باتت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة هي «الدفاع عن غوام»، وعدم اقتراب الأعداء منها، ولهذا وضعت خططاً متكاملة حتى لا تسقط الصواريخ الصينية والكورية الشمالية على غوام في أي نزاع مستقبلي، وفي عام 2017 هدد الزعيم الكوري الشمالي، كيم جون أون، بوضع خطة لضرب جزيرة غوام التي تبعد عن الساحل الكوري الشمالي بنحو 3450 كم، وهنا أدركت الولايات المتحدة أن «الدفاع عن غوام» هو رسالة لكل من يريد استهداف الأراضي الأمريكية، فالتساهل في الدفاع عن غوام يفتح الطريق أمام استهداف ليس فقط الجزر الأمريكية في المحيط الهادئ، مثل جزر هاواي، بل للبر الأمريكي نفسه، وأن قوة الجيش الأمريكي في غوام هو رسالة سلام واستقرار إقليمي، ويمنع نشوب حرب مستقبلية في منطقة الإندو- باسيفيك بالكامل

الصورة

2 -«غوام والردع المتكامل»:

جزيرة غوام تحتل مكانة متقدمة في الاستراتيجية القائمة على مبدأ «تعزيز الردع المتكامل»، من خلال النظر لغوام باعتبارها حلقة الوصل، و«العقل الجيوسياسي» في تعضيد التعاون، وتعزيز قابلية التشغيل المتكامل مع الحلفاء والشركاء بهدف الحفاظ على السلام والاستقرار في كل مناطق غرب المحيط الهادئ، وليس في شمال أو وسط المحيط فقط.

3 - «محاكاة للمخاطر المتغيرة»:

الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تعتبر النجاح في غوام هو العنوان والنموذج للنجاح الأمريكي في البيئات العسكرية شديدة التعقيد، والتي تتغير ليس بسبب التغير في تكتيكات واستراتيجيات الأعداء والمنافسين فقط، بل التغير الشديد في الأدوات والوسائل التكنولوجية، وقدرة منافسي الولايات المتحدة على الإبداع والابتكار، بما يهدد التفوق الأمريكي لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، ولهذا تتضمن مصفوفة الدفاع عن غوام كل ما يتعلق بالتطورات الحديثة في مجالات الفضاء والفضاء الإلكتروني، والتكنولوجيا الحيوية والناشئة.

4 - «دعم الأوكوس»:

جزيرة غوام تقع في قلب العمليات التي يضطلع بها تحالف «أوكوس» العسكري، الذي تأسس في 15 سبتمبر 2021، ويضم مع الولايات المتحدة الأمريكية، كلاً من بريطانيا وأستراليا، مع توسيع وجود خفر السواحل الأمريكي، والتعاون ضد التهديدات العابرة للحدود الأمريكية.

5 - توسيع دور «العيون الخمس»:

بجانب الدور العسكري لجزيرة غوام، فإنها تلعب دوراً معلوماتياً استخباراتياً لجمع المعلومات عن الجيش الصيني، والبحرية الصينية، بجانب النشاط الروسي والكوري الشمالي في الجزء الشمالي الغربي من المحيط الهادئ، وتحالف «العيون الخمس» هو تحالف استخباراتي يجمع الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا، وكلها دول تعمل في المحيط الهادئ، ولهذا طلبت هذه الاستراتيجية من الكونغرس مزيداً من الأموال لتمويل مبادرة ردع المحيط الهادئ، ومبادرة الأمن البحري، والتي تقع جزيرة غوام في القلب منها، مع العمل على تطوير أهداف واستراتيجيات وخطط وسياسات قريبة حتى عام 2030، وأهداف وخطط بعيدة للدفاع عن الجزيرة حتى عام 2049، وهو العام الذي سيكمل فيه الحزب الشيوعي الصيني 100 عام في حكم الصين، ووضع هذا العام كعنوان للصعود والتفوق، وربما للهيمنة الصينية، ووصولها إلى قمة هرم القيادة العالمية.

الصورة

تحديات كثيرة

رغم كل هذه الاستراتيجيات والجهد الأمريكي الكبير لتحويل «جزيرة غوام» إلى قلعة حصينة في قلب المحيط الهادئ، إلا أن هناك الكثير من التحديات التي يمكن أن تحول دون تحقيق الأهداف الأمريكية في غوام، ومنها:

أولاً «الغواصات الصامتة»:

التحدي الأكبر الذي يواجه الولايات المتحدة في غوام، هو أن الصين باتت تقترب بشدة من الولايات المتحدة في مجال الغواصات، وخاصة الغواصات النووية الهجومية، لكن أكثر من يزعج الولايات المتحدة هو أن الصين بدأت بتصنيع غواصات نووية «صامتة»، بمعنى أنها لا تصدر أي صوت، وحتى وقت قريب كانت الغواصات الأمريكية النووية الهادئة تستطيع اكتشاف الغواصات الصينية بسهولة، لأن الغواصات الصينية القديمة كان يصدر منها ضجيج عالٍ، كما أن الاستراتيجية الأمريكية كانت تقوم حتى زيارة، نانسي بيلوسي، لتايوان في العام الماضي، على قيام الغواصات النووية الأمريكية بإغراق سفن الأسطول الصيني، لو اقتربت أكثر من جزيرة تايوان، لكن هذه البيئة المثالية التي كان يتحرك فيها الأسطول الأمريكي، خاصة الغواصات النووية التي تنطلق من قاعدة إبرا في غوام، لم تعد كما هي، فالغواصات الصينية النووية الجديدة باتت تعمل بنظام دفع يقوم على «المضخات النفاثة»، بدلاً من «المحركات المروحية»، ما أدى لتراجع حدة الضوضاء التي كانت تطلقها الغواصات الصينية، فضلاً عن تطوير الصين أدوات وأجهزة استشعار عن بعد تحت المياه بعد بناء بيجين العديد من شبكات الاستشعار تحت الماء في بحر الصين الجنوبي، وغرب المحيط الهادئ

وتشير كل الأرقام إلى تفوّق الصين في عدد السفن العسكرية السطحية على الولايات المتحدة التي تراجع فيها إنتاج هذه السفن والغواصات النووية منذ نهاية الحرب الباردة، ولا تزال الولايات المتحدة تتفوق على الصين في مجال الغواصات النووية، لكن هذا التفوق محدود للغاية، ومؤقت، لأن الولايات المتحدة لديها في الوقت الحالي 67 غواصة نووية، منها 49 غواصة هجومية، فقط، وسوف يتراجع العدد إلى 46 غواصة عام 2030 بسبب خروج بعض هذه الغواصات من الخدمة، لكن هذا العدد يمكن أن يرتفع مرة أخرى إلى 50 عام 2035 إذا ما سارت عملية بناء الغواصات الهجومية، كما هو مخطط لها، وتقول البحرية الأمريكية إنها تحتاج إلى 66 غواصة نووية هجومية لتنفيذ المهام الدولية

ثانياً «الصواريخ الفرط صوتية»:

أظهرت الصين قدرات مذهلة في تصنيع الصواريخ البعيدة المدى، والصواريخ الفرط صوتية التي تستطيع أن تضرب أي مكان في المحيط الهادئ، بما فيها القواعد والقوات الأمريكية في غوام، والتي يصل عددها لنحو 6 آلاف جندي، ونجحت كل التجارب الصينية التي أطلقت من خلالها حزمة من الصواريخ الفرط صوتية لعل أحدثها هو الصاروخ «دونج فينج 27» الذي استطاع أن يقصف، بدقة متناهية، أهدافاً على بعد 8500 كم، كما أن هذا الصاروخ يسير بشكل متعرج، ما يجعل من الصعوبة بمكان على «منظومة ثاد» في جزيرة غوام التصدي له، وكل التقارير الصينية تقول إن هذا الصاروخ يمكن أن يدمر أي حاملات طائرات في غوام، بما فيها حاملة الطائرات جيرالد فورد.

ثالثاً - «فوجيان»:

تواجه استراتيجية الولايات المتحدة لحماية جزيرة غوام تحدياً جديداً، مع تدشين الصين لحاملة الطائرات الثالثة «فوجيان»، وهي الأكبر لدى الصين، ويمكن مقارنتها بحاملة الطائرات «يو إس رونالد ريغان»، وتنافس فوجيان حاملات الطائرات الأمريكية في كل شيء، بداية من عدد البحارة، والطائرات، إلى الإطلاق السريع للطائرات الحربية، حيث لا يزيد المدى الزمني بين كل طائرة وأخرى دقيقة، وهي تضاف لحاملتي طائرات أصغر، الأولى لياونينج، والثانية شاندونج.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/56mpytpw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"