حديث المبادرة وما حولها

00:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

لم تتوافر فرص حقيقية لنجاح المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة.

المبادرة بنصوصها وسياقها أقرب إلى محاولة وسط حقول ألغام سياسية لإنهاء أكثر الحروب الحديثة بشاعة وتدميراً على ثلاث مراحل لا مرة واحدة بقرار دولي، كما سعت أغلبية ساحقة من دول العالم دون جدوى.

هكذا عدلت السلطات المصرية توصيفها إلى مقترحات أولية تصلح أساساً لاستطلاع آراء كافة الأطراف قبل بلورة «موقف متكامل».

تأسست المرحلة الأولى في الخطة المقترحة على تجربة الهدنة المؤقتة الأولى.

إعادة إنتاج الفكرة نفسها لتشمل هذه المرة تبادل كبار السن والمرضى وقدامى الأسرى بنفس النسبة السابقة استدعى موقفين متعارضين، قبول إسرائيلي مراوغ ورفض فلسطيني معلن خشية الوقوع في فخ خسارة ورقة الأسرى والرهائن من دون أن يكون هناك وقف مستدام لإطلاق النار.

الموقف الإسرائيلي يبدو أكثر تعقيداً بشأن المرحلة الأولى.. هناك ضغط داخلي متزايد من أسر الأسرى والرهائن وتجمعات احتجاجية في قلب تل أبيب تطالب بصفقة تبادل أسرى شاملة وفوراً وتدعو بالوقت نفسه لوقف إطلاق النار.

وتيرة الغضب ارتفعت بعد فشل الجيش الإسرائيلي في إحراز علامة نصر واحدة ومقتل ثلاثة جنود أسرى بنيران الجيش رغم رفعهم رايات بيضاء وهم يصرخون: «انقذونا». التشققات السياسية الداخلية في بنية الحكومة وخياراتها، كما في المجتمع الإسرائيلي كله، وانخفاض مستوى الثقة في الجيش والاستخبارات في السجال العام استدعت تطورين كاشفين.

*الأول: توسيع نطاق الرقابة العسكرية على وسائل الإعلام.

*الثاني: الدعوات المتواترة إلى نبذ الخلافات بذريعة أن الدولة تمر بأوقات صعبة وحرب قاسية.

بنظر الرئيس الأمريكي جو بايدن فإن هناك انحساراً للدعم الدولي، الذي كانت تحظى به إسرائيل. معضلاته الداخلية والدولية تدعوانه إلى تبني جوانب عديدة من الخطة المقترحة.

إنها تعفيه - أولاً- من المساءلة الداخلية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بذريعة أن هناك خطة سلام أكثر واقعية من مشروعات وقف إطلاق النار!، التي حال دون استصدارها بحق النقض في مجلس الأمن الدولي.

ثم إنها تخفف- ثانياً- من وطأة العزلة الدولية، واتساع مدى الانتقادات في صفوف الحلفاء الغربيين للطريقة التي يدير بها الحرب على غزة. بنيت الافتراضات الأمريكية والإسرائيلية على اجتثاث «حماس»، وهو ما يعترف القادة العسكريون الميدانيون أنفسهم الآن أنه لم يعد واقعياً.

حسب ما هو مقترح: تشكيل حكومة «تكنوقراط» والتمهيد لانتخابات فلسطينية رئاسية وبرلمانية. هنا تبدت على سطح الحوادث خلافات لا لزوم لها داخل البيت الفلسطيني. بصورة صريحة احتجت السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس على الخطة المقترحة خشية خسارة أدوارها في اليوم التالي بذريعة أنها تتحدث في تشكيل حكومة فلسطينية بعيداً عن «مسؤوليات منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني».

في بيان رسمي مشترك أعلنت الفصائل التزامها ب«تطوير النظام السياسي الفلسطيني وتعزيزه على أسس ديمقراطية عبر الانتخابات العامة الرئاسية والمجلسين التشريعي والوطني، يشارك فيها الجميع».

هكذا اصطدمت الخطة المقترحة بتعقيدات الوضع الداخلي الفلسطيني، السلطة متمترسة في مواقعها دون رصيد شعبي يسندها، والمقاومة المسلحة مرشحة لاكتساح أية انتخابات ذات صدقية، وهذا يتعارض مع الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية المشتركة في منع «حماس» من حكم غزة مجدداً فإذا بها تحكم الضفة معها.

هذا سبب كاف لرفض إسرائيلي وأمريكي مشترك وربما عدم الانتقال إلى المرحلة الثالثة، التي تدعو ل«استكمال وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة بالكامل وعودة النازحين إلى مناطقهم وبيوتهم».

الحل الممكن الوحيد، هو الحل المباشر الذي يتوافق عليه العالم بأسره، باستثناء الإدارة الأمريكية: الذهاب إلى وقف إطلاق نار مستدام وصفقة تبادل للأسرى والرهائن وفق مبدأ «الكل مقابل الكل».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/58nrvsvf

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"