إعادة تذكير بالعدالة الدولية

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

د. ناصر زيدان
تقدمت حكومة جنوب إفريقيا بدعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، بجرم انتهاكها معاهدة منع الإبادة الجماعية لعام 1948. وجنوب إفريقيا عانت التمييز العنصري لعقود، وتعرضت شرائح من شعبها للتنكيل الجماعي والتشريد والتهجير القسري قبل عام 1994، وعلى هذه الخلفية تحرَّك رئيس جنوب إفريقيا رامافوزا محاولاً تقديم الشكوى أمام محكمة الجنايات الدولية الدائمة، لكن نظام روما لعام 1998 الذي أُنشئت بموجبه المحكمة يحصر ادعاء الدول الأعضاء ضد أفراد مرتكبين من دولة عضوة أخرى، أو أن الدعوى يجب أن يُحيلها مجلس الأمن الدولي، أو بموجب تحريك تلقائي من مدعي عام المحكمة، لكن إسرائيل ليست عضوة في نظام روما، ومجلس الأمن الدولي ومدعي عام المحكمة لم يتحركا ضد الأفعال المشينة التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، فلجأت جنوب إفريقيا إلى تقديم الدعوى أمام محكمة العدل الدولية، وهذه المحكمة تختلف من حيث صلاحياتها عن المحكمة الجنائية الدولية.

إن ادعاء جنوب إفريقيا على إسرائيل أعاد التذكير بالعدالة الدولية التي تجاهلت مباشرة التحقيق في الارتكابات الجنائية الشنيعة التي تحصل في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومحكمة العدل الدولية حددت جلسات للنظر في الدعوة اليوم (الخميس) 11 يناير، وغداً، في بادرة تبعث على الارتياح، برغم أن المحكمة واحدة من هيئات منظمة الأمم المتحدة، وتحكم في النزاعات بين الدول، وغير مختصة بمحاكمة الأفراد المرتكبين.

تعتمد جنوب إفريقيا في شكواها على مستندات واسعة جداً، تؤكد انتهاك جهات حكومية ومسؤولين إسرائيليين للاتفاقية الدولية لتجريم الإبادة الجماعية. ومن هذه المستندات الدامغة: تصريحات موثقة لوزير التراث الإسرائيلي عميحاي الياهو الذي دعا إلى تفجير كل المباني في شمال قطاع غزة، وقال «إن ذلك منظر في غاية الجمال»، كذلك تصريح للنائب في كتلة الليكود نسيم فاتوري، الذي قال «لدينا جميعاً هدف واحد وهو محو قطاع غزة عن وجه الأرض»، كما ضمَّت لمستندات الدعوة مشاهد القتل والدمار واستهداف المستشفيات والمدارس، وأماكن إقامة الأطفال والنساء المسالمين في مراكز الإيواء الدولية في القطاع.

كما أن الارتكابات الجنائية التي قام بها الجنود والضباط ضد المدنيين -حيث طالت انتهاكاتهم أماكن العبادة- لم يسبق أن حصل مثلها حتى في أشرس الحروب التي مرَّت عبر التاريخ، إذ إن صمت هيئات القضاء الدولي عن هذه الانتهاكات يسيء إلى الانتظام العام العالمي، ويضرب مصداقية القانون الدولي.

كل المعطيات تؤكد توفر مقومات لصدور إدانة من محكمة العدل الدولية للتجاوزات العنصرية التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين، وهو ما سيدفع إسرائيل إلى مزيد من العزلة الدولية، بعد أن أسس قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي لهذه العزلة، عندما صوتت 153 دولة من مختلف قارات العالم لصالح القرار الذي أدان إسرائيل ودعاها لوقف فوري لإطلاق النار.

ختاماً لا يمكن حل النزاع في المنطقة من دون توقف العدوان على الفلسطينيين ومنح هؤلاء حقهم في إقامة دولتهم المستقلة على أرضهم، بموجب القرارات الدولية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3ttvcrbn

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"