معضلة الطاقة الثلاثية

21:55 مساء
قراءة 4 دقائق

لارس شيرنكاو*

على مدى قرن ونيّف تقريباً، حققت الكهرباء المولدة من الفحم والغاز وفورات غير مسبوقة في الأحجام والتكاليف. حالياً، تولد مصادر الطاقة منخفضة التكلفة والموثوقة هذه نحو 60% من الكهرباء و50% من الطاقة الأولية في جميع أنحاء العالم. لكن، بسبب المخاوف المتنامية والمرتبطة في المقام الأول بتغير المناخ، يجري الآن استبدال وقود الفحم والغاز ببطء بمصادر متجددة، مثل الرياح والشمس، فهل تأتي هذه المصادر بتكاليف أيضاً؟

أصدرت «بلومبيرغ» أحدث تحليل عالمي للتكلفة المتساوية للكهرباء في عام 2023، قارنت من خلاله التكلفة التاريخية لمختلف مصادر الطاقة المتجددة مع تكلفة الفحم والغاز والطاقة النووية، فكان الاستنتاج «المضلل» أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية هي الأكثر فاعلية من حيث التكلفة. وشكلت التقارير والتحليلات المستندة إلى التكلفة المتساوية للكهرباء من قبل منظمات أخرى مثل وكالة الطاقة الدولية، والوكالة الدولية للطاقة المتجددة، ومعهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي، وصندوق النقد الدولي، أيضاً الأساس للعديد من الحكومات لاستنتاج خطأ مفاده أن التحول من نظام الطاقة المعتمد على الفحم والغاز إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية سيوفر مليارات، بل ربما تريليونات الدولارات على مستوى العالم.

وفي هذا الصدد، يُدرك صناع القرار الركائز الثلاث التي تقوم عليها سياسة الطاقة الناجحة: 1- الموثوقية، 2- القدرة على تحمل التكاليف، 3- الاستدامة البيئية. ولكن عند إلقاء نظرة فاحصة، يتبين أن وزارات الطاقة تكافح من أجل إيجاد توازن ما ضمن ثلاثية الطاقة هذه. فهناك حاجة ماسة إلى الحصول على طاقة موثوقة قبل النظر في القدرة على تحمل تكاليفها. وبمجرد تحقيق التوازن بين الطاقة الموثوقة والميسورة التكلفة، يصبح من الممكن معالجة الاستدامة البيئية بطريقة مجدية.

في واقع الأمر، تعتبر طاقة الرياح والطاقة الشمسية على نطاق الشبكة أكثر تكلفة من تلك المعتمدة على الفحم والغاز، وحتى الطاقة النووية، وإجمالي التكاليف التي يتحملها الاقتصاد ترتفع بشكل كبير.

ومع نمو حصة الرياح والطاقة الشمسية في نظام الطاقة، سيكلف التحول المقترح ما يزيد على 7% إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي تريليونات الدولارات. ووفقاً لبيانات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، ستتجاوز هذه المبالغ تكاليف ارتفاع درجة حرارة المناخ على ظهر الكوكب. فلماذا إذن من الخطأ استخدام التكلفة المتساوية للكهرباء عند تقييم تكلفة الطاقة لبلد ما؟

تعد هذه التكلفة بمثابة «اقتصاد جزئي» بدلاً من عرض النظام الإجمالي، وبالتالي، هي ليست مؤشراً دقيقاً للحكومات لتبني عليها قرارات سياسة الطاقة. كما تعد مضللة أيضاً لأنها لا تأخذ في الاعتبار عوامل القدرة الطبيعية المنخفضة، والربط بين توافر طاقة الرياح والطاقة الشمسية عبر القارات، والتفاوت الجغرافي بين الطلب والعرض.

وهناك تكاليف واضحة ليست ضمن حسابات التكلفة المتساوية للكهرباء. وهي، تخزين الطاقة الاحتياطية أو طويلة الأمد، حيث تتطلب طاقة الرياح والطاقة الشمسية احتياطياً أو تخزيناً بنسبة 100% على الأقل لكل ميغاوات مثبتة. بالإضافة إلى تكاليف تكامل الشبكة بما في ذلك النقل والتوزيع والموازنة والتكييف.

أما التكاليف غير الواضحة التي تم حذفها من حسابات التكلفة المتساوية للكهرباء على نطاق الشبكة فتشمل «خسائر الكفاءة»، إذ إن المزيد من طاقة الرياح والطاقة الشمسية يعني استخداماً أقل لأصول أنظمة النسخ الاحتياطي أو الشبكة.

وتكاليف متطلبات المساحة، والمدفوعة بكثافة الطاقة المنخفضة لكل متر مربع من الرياح والطاقة الشمسية. فهناك تكلفة اقتصادية وبيئية لاستغلال آلاف الكيلومترات المربعة لالتقاط الطاقة المنتشرة من الشمس والرياح.

ونذكر أيضاً تكاليف إعادة التدوير المدفوعة بانخفاض كثافة الطاقة لكل كيلوغرام. ولا ننسى التكاليف البيئية، أي الأضرار التي تلحق بالحياة النباتية والحيوانية، والآثار السلبية على النظم المناخية، بما في ذلك الاحتباس الحراري واستخراج الرياح والتغيرات الجوية. فضلاً عن عدم كفاءة المواد الخام وصافي الطاقة في الإنتاج والمعالجة والنقل والتحديث والتصنيع وإعادة التدوير للنظام بأكمله، بما في ذلك آثاره البيئية. وعليه، لا بد من تقدير «التكلفة الكاملة للكهرباء»، بدلاً من «المتساوية»، لحساب التكاليف الإجمالية لبلد ما أو نظام ما.

في الختام، يمكننا أن نتفق على أنه يجب علينا أن نسعى للحد من العوامل الخارجية البيئية لجميع أنظمة الطاقة لدينا. ومع ذلك، فإن الانتقال إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر سيؤدي إلى زيادة في تكلفة الطاقة وتقليل الموثوقية، فضلاً عن تأثيرات خطيرة على النظم البيئية مما يقودنا إلى نتائج عكسية وعواقب غير مرغوب فيها على البشرية.

إن قضايا الفقر والسلام والصحة والتعليم والبيئة ينبغي أن تحظى بأعلى قدر من الاهتمام لدينا، وهي تعاني نقص التمويل. لذا، يجب علينا تحويل الاستثمار من طاقة الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين، أو البطاريات، إلى حيث ستُحدث الأموال فارقاً إيجابياً حقيقياً على بيئتنا واقتصاداتنا، من أجل استدامة حقيقية على المدى الطويل.

نحن في حاجة ماسة إلى الاستثمار في محطات الطاقة، والوقود، ومصافي التكرير، مع المزيد من عمليات البحث والتطوير، بالإضافة إلى بناء وترقية أحدث محطات الطاقة الحرارية عالية الكفاءة وتركيب أنظمة ترشيح حديثة على مستوى العالم لتجنب أزمة طاقة عالمية طويلة الأمد، بكل ما يترتب على ذلك من عواقب على الأرواح والصحة والثروات، سيدفع ثمنها في الغالب الفقراء.

* خبير اقتصادي في مجال الطاقة «أوراسيا ريفيو»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3yxfmmpv

عن الكاتب

خبير اقتصادي في مجال الطاقة

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"