مواجهة التضخم القوي

22:42 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

تضخم اليوم عالمي قوي ومختلف عن الماضي، لأسباب عدة أهمها، تأثير الحروب الجارية في أوكرانيا، وغزة على الاستثمارات والتجارة العالميتين، وبالتالي على كل مؤشرات التضخم، بعض الاستثمارات تأجل وقسم أخر ألغي بسبب الأوضاع العالمية الخطرة، أما التجارة العالمية، فتأثرت بعض شبكاتها بالحربين وبالتالي أصبحت أخطر ومكلفة أكثر. في نواحي الدول الداخلية، وخلال السنوات الأربع السابقة، وبسبب الأوضاع الاجتماعية المتردية، عادت الروح إلى النقابات التي تنظمت أكثر وأصبحت تضغط باتجاه الحصول على الحقوق الشرعية للعمال، وبالتالي ارتفعت تكلفة الشركات وتأثرت مؤشرات الأسعار. هذا وضع مؤقت لأن إنتاجية العمال سترتفع مع تحسن معيشتهم، مما يصب تدريجياً في مصلحة الاقتصاد.

أما التغير الديموغرافي، فيؤثر كثيراً على أسواق العمل، وبالتالي على نسب البطالة. دولياً ترتفع نسبة المتقاعدين من عدد العاملين بسبب تقدم الطب والعناية الصحية، أي بسبب ارتفاع العمر المرتقب، وهذا يؤثر على سوق العمل إذ يحدد العرض، هنالك قطاعات تأثرت أكثر بكثير من غيرها بسبب عدم تجاوب الأجور مع الطلب على خدماتها، منها التعليم والتمريض والصحة عموماً، حيث تحصل إضرابات موجعة في هذه القطاعات الأساسية حتى في أغنى الدول.

تحسن الدولار عالمياً، بسبب بعد أمريكا عن الحربين الرئيسيتين، كما ارتفاع الفوائد على الدولار، جعلا النقد الأميركي موضع استقطاب واضح للمستثمرين والمدخرين العالميين. ارتفاع الدولار رفع أسعار السلع الأساسية في الطاقة والمعادن والغذاء، وبالتالي أسهم في تعميق المشكلة التضخمية العالمية.

كيف يواجه العالم هذا التضخم؟ كيف يمكن تعزيز هذه المواجهة لتخفيف أوجاع المواطنين والفقراء تحديداً دون إحداث مصائب جديدة إضافية؟ هنالك إمكانية لرفع الفوائد كسياسة طبيعية لتخفيف الطلب، لكن الثمن يمكن أن يكون كبيراً أي الركود والبطالة. نجاح هذه السياسة يعتمد على المصارف المركزية، ومدى التزامها بمحاربة التوقعات التضخمية المضرة.

هنالك إمكانية لتعزيز سياسات العرض، لرفع الإنتاجية التي بدورها تؤثر على النمو كما على الأسعار. الاستثمارات في القطاعات الرقمية والمشفرة كما في القطاعات التي تحمل درجات مرتفعة من التكنولوجيا المتطورة، هي ركيزة هذه السياسات، قطاعات الفيزياء والكيمياء تدخل ضمنها أيضاً.

من الضروري أن تتأقلم السياسات المالية والنقدية الوطنية مع الأوضاع الجديدة. وقف مد أوروبا بالغاز من قبل روسيا بسبب الحرب، والسقوف على الأسعار سيجعل الأوروبيين يمضون شتاء آخر صعباً وبارداً. ارتفاع أسعار الغاز والتضخم عموماً يدخل أوروبا في فترة معيشية قاسية. من الصعب توقع تحسن سريع في العلاقات بين روسيا وأوروبا حتى بعد انتهاء الحرب. لذا من المنطقي أن تستمر أوروبا في تنويع مصادر الطاقة لديها.

بسبب الكورونا، والعمل عن بعد، وتحول العديد من العمال إلى الشركات الناشئة والصغيرة، هنالك طلب قوي على العمال وعرض ضعيف في مهن مهمة كسائقي الشاحنات، والمعلمين، ومؤخراً بعض المهن الحرة. بقاء أسواق العمل فاعلة مع أجور تتحسن بسبب ضعف العرض يساعد الأسر على الإنفاق، وبالتالي الاقتصاد العام على الاستمرار والنهوض.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/57skemdy

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"