عادي

«ألف ليلة وليلة»..معين لا ينضب

23:36 مساء
قراءة 5 دقائق
«ألف ليلة وليلة»..معين لا ينضب

الشارقة: علاء الدين محمود

في عام 2019 أعاد معهد الشارقة للتراث بالتعاون مع الهيئة المصرية العامة للكتاب نشر كتاب «ألف ليلة وليلة»، للدكتورة سهير القلماوي، وهو في الأصل رسالة دكتوراه قدمت عام 1941، وتنهل من معين ذلك المرجع الأدبي الذي لا ينضب، وهو حكايات «ألف ليلة وليلة»، الذي كان دائماً موضوعاً للباحثين العرب والأجانب، ولو قُدّر لتلك الجهود البحثية أن تجمع في مؤلف واحد لكان العنوان الأمثل له: «ألف استعادة واستعادة»، فحكايات الكتاب ما زالت تلهم القراء والباحثين، ولئن كان هنالك اختلاف سجّلته القلماوي في كتابها، فهو الشمول والدقة العلمية في تناول الحكايات، وإرجاعها لأصلها، من خوارق ومخلوقات وقصص وردت على لسان الحيوانات، والوقائع من حيث كونها حقيقية، أو متخيّلة.

«ألف ليلة وليلة»..معين لا ينضب

والأمر اللافت في الكتاب هو المقدمة التي وضعها الدكتور طه حسين «1889 – 1973»، الأديب والناقد والمتخصص في الأدب العربي، ولعلّ وجود توطئة لعميد الأدب العربي يعد أمراً كافياً للاهتمام بالكتاب، حيث وصف الجهد البحثي بأنه: «رسالة بارعة من رسائل الدكتوراه التي ميزتها كلية الآداب في جامعة القاهرة، كما أن براعتها تأتي من مؤلفتها فهي سهير القلماوي... التي عرفت نفسها ب(أحاديث جدتي).. وإن كنا نحن أساتذتها قد عرفناها بجِدّها في الدرس، ودقتها في البحث، وإتقانها للاستقصاء حين تعرض لموضوع من موضوعات العلم».

ويشير الأديب الكبير إلى أن براعة الرسالة تكمن في موضوعها، «ألف ليلة وليلة»، هذا الكتاب الذي خلب عقول الأجيال، في الشرق والغرب، قروناً طوالاً، والذي نظر الشرق إليه على أنه متعة ولهو وتسلية، ونظر الغرب إليه على أنه كذلك متعة ولهو وتسلية، ولكن على أنه بعد ذلك خليق بأن يكون موضوعاً صالحاً للبحث المنتج والدرس الخصب.

  • قصص عربية

الكثير من المستشرقين والكتاب الأجانب كانوا تناولوا الكتاب بجهود بحثية تختلف بين الفكري والبحثي، كما تأثر به العديد من الكتاب العالميين، وتسربت مفردات وأفكار وقصص ألف ليلة وليلة إلى نتاجاتهم الإبداعية، ولعل اللافت في ذلك الاهتمام الغربي بالكتاب هو أن الباحثين قد اختلفوا في نسبة مصدر تلك الحكايات التي أنتجت تلك الروائع الخالدة، ما بين الهند، وفارس، والصينن وبلاد العرب، وغير ذلك، لكنهم اتفقوا بصورة عامة، على نسبتها إلى الشرق، وهنا تأتي أهمية كتاب القلماوي، والجهد العلمي الذي بذلته، عندما أكدت في المؤلف، على أن الحكايات في «ألف ليلة وليلة»، هي عربية الأصل، لكن القلماوي لم تكن منغلقة تماماً في هذا الأمر، على عكس ما فعل، ويفعل العديد من الكتاب العرب، إذ أشارت إلى أن «ألف ليلة وليلة»، تشبه الحضارة العربية نفسها، في كونها التقت وتحاورت ونهلت من إبداعات وثقافات أخرى، أضيفت إلى التراث العربي، ولعل ذلك ضمن الأشياء التي ميزت كتاب القلماوي.

  • شرق وغرب

الكتاب يقع في 470، من الحجم الكبير، ويتضمن مقدمة لطه حسين، ورسالة شكر من القلماوي لأستاذها طه حسين، إضافة إلى مقدمة أخرى بقلم الدكتورة نبيلة إبراهيم، وهو يقع في ثلاثة أبواب، جاء الأول بعنوان «ألف ليلة وليلة في الشرق والغرب»، وهو مبحث شديد الأهمية لكونه يتناول ذِكر تلك الحكايات ومناقشتها في الشرق والغرب، ويشير إلى أن «ألف ليلة وليلة»، ذكرت في بعض المصادر العربية القديمة، غير أن أول من نبّه إلى وجود هذا الذكر هم المستشرقون الذين انفردوا تقريباً، بدرس هذا الأثر العظيم إلى اليوم، ويتناول هذا الباب ما جاء من قبل الباحثين والكتاب في الشرق، إذ حافظ الشرقيون على «ألف ليلة وليلة»، وقاموا بنسخه أكثر من مرة، وعملوا على طباعته في طبعات متعددة، وبفضلهم هم حُفظ هذا الأثر من الضياع فوصل إلى المستشرقين الذين أذاعوا فضله، ولعل أهم طبعة لهذا الكتاب هي التي صدرت عن مطبعة بولاق في مصر، والتي اعتمدت أكثر على نسخة هندية أصلها مصري طبعت في كلكتا سنة 1833. ومن نسخة بولاق تلك خرجت مختلف الطبعات المصرية التي بين أيدينا، والتي تؤلف المدلول الشائع لاسم هذه المجموعة من القصص الشعبية، كما قام الشرقيون بترجمة الكتاب إلى لغاتهم، فيما كان أول ما لفت نظر الغربيين إلى الكتاب، هو الترجمة التي قدمها الفرنسي، أنطوان جالان، لتصدر بعدها العديد من الترجمات والدراسات، ويستمر الكتاب في رصد انتشار وأثر ألف ليلة وليلة، في الشرق والغرب، بكل ما في ذلك من محمولات، فكرية ومعرفية.

  • ظهور الليالي

جاء الباب الثاني بعنوان «تأليف الكتاب»؛ أي كتاب ألف ليلة وليلة، حيث تقدم المؤلفة قصة تتعدد فصولها عن حكاية تأليف الكتاب، وكيف ظهر في صورته التي نراها بين أيدينا ممثلة في نسخه المتعددة. فلا شك في أن الكتاب وجد في عصور مختلفة، وأقطار متنوعة، في صور متباينة؛ فما العوامل التي لعبت في هذا الإخراج المختلف، وإذا كان ما بين أيدينا لا يمدّنا حتى بوصف لحقيقة هذه النسخ القديمة، فما الصفات التي ينمّ عنها الكتاب، فتعطينا صورة مقاربة لهذه النسخ القديمة الضائعة؟ ويتصدى هذا الباب، عبر رحلة معرفية، لتقديم إجابات تختلف عما هو سائد من مسلّمات، خاصة تلك التي نشأت في الغرب.

  • الأساطير والميثولوجيا

أما الجزء الثالث والأخير، فهو يقع في 8 فصول، جاء الأول بعنوان «الخوارق في ألف ليلة وليلة»، ويطل على عوالم العجائب والأساطير والميثولوجيا في الحكايات، ولا تكتفي المؤلفة بذلك، بل تعمل بصورة عملية على تفكيك وتفسير عملية اللجوء إلى الخرافات في الحكايات والبيئة التي أنتجتها، بينما حمل الفصل الثاني عنوان «الموضوعات الدينية في الليالي»، وهو كذلك يطل على عالم المعتقدات في تلك القصص، فيما جاء الفصل الثالث بعنوان: «الموضوعات الخلقية في الليالي»، وهو يعنى بالأخلاق والقيم والعادات والتقاليد السائدة في مجتمع تلك الحكايات ما يسهل نسبتها إلى المكان المعين، أما الفصل الرابع فقد اهتم ب«موضوع الحيوان في الليالي»، وهو يستعرض الحيوانات وتوظيفها في مجرى الحكايات، بينما يضع الفصل الخامس القارئ في قلب «الحياة الاجتماعية في الليالي»، بينما تناول الفصل السادس «الموضوعات التاريخية في الليالي»، أما الفصل السادس فهو دعوة للتعرف إلى الأدب السائد في ذلك الوقت بعنوان «الموضوعات التعليمية في الليالي»، أما الفصل الثامن فهو يتناول قضية في غاية الأهمية، حيث جاء بعنوان «المرأة في ألف ليلة وليلة».

المؤلف ينفرد بالعديد من القضايا الفكرية والأدبية، ولعل على رأسها مسألة نسبة الكتاب نفسه «ألف ليلة وليلة» إلى الحضارة العربية والإسلامية، والحفاظ عليه من الاختطاف، حيث عمل المؤلف على استدعاء العديد الكتاب المستشرقين الذين تناولوا الكتاب ونسبوه إلى حضارات وثقافات غير العربية، حيث إن أهمية هذا البحث كما جاء في مقدمة نبيلة إبراهيم في أن صاحبته تردّ مزاعم المستشرقين التي حاولت أن تنزع من «ألف ليلة وليلة» رونقه العربي.

  • اقتباسات

«كان أهم ما شغل بال الغربيين البحث عن أصل ألف ليلة وليلة».

«قصص اللصوص والشطار والفكاهة والسحر التي يخضع فيها الجن للإنسان، وقصص حيثي الغني، كلها ترجع إلى أصل مصري»

«أثارت ألف ليلة وليلة، بعد أن نقلت إلى لغات الغرب شغفاً في نفوس الغربيين بجمع الأدب الشعبي ودراسته على نحو لم يكونوا قد بدأوا يحسّون بالحاجة إليه».

«لست أشك مطلقاً في أن البحث عن أصل الإلياذة قد أثرت في الأبحاث عن أصل ألف ليلة وليلة».

«قصص علاء الدين وعلي بابا والسندباد والأميرة الصغيرة، كل هذه أصبحت جزءاً من ثقافة الأطفال في أوروبا».

«أثرت ألف ليلة وليلة تأثيراً مباشراً وقوياً بأن أدخلت مواضيع بعينها في أدب الغرب كقصص الحيوان والجن».

«ظهرت المرأة في كل قصص الليالي، كعنصر هو الأهم في تسيير دفة الأحداث».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/ynzvaas3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"