الاقتصاد الصيني يتغير

22:46 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

تبعاً لصندوق النقد، ستنمو الصين بنسبة 4,6% هذه السنة، وهذا جيد إن يكن دون النسب المرتفعة المحققة سابقاً. تأثر الاقتصاد الصيني سلباً بسياسات الكورونا، فانخفض النمو. يظهر ذلك في نسبة البطالة المرتفعة إلى حدود 20% عند الشباب وإن تكن الإحصائيات الدقيقة غائبة. القطاع العقاري مصاب بسبب كثرة العرض وضعف الطلب نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة، وها هي شركة «افرغراند» تفلس. نعلم أن تعثر قطاع العقارات يمتد إلى كل الاقتصاد، لأن كل شيء تقريباً يدخل في البناء. الإنفاق الاستهلاكي ضعيف بسبب القدرة الشرائية المتدنية وغياب الأجواء الإيجابية العامة نتيجة سياسات الكورونا والعودة إلى المركزية كما إلى الاقتصاد الموجه بعد سنوات من التحرير. أخطأت الصين في طريقة مواجهة الكورونا وأخطأت أيضاً في تأخير الانتقال من الانغلاق إلى الانفتاح.

تحدٍّ آخر كبير هو المنافسة الكبرى مع الولايات المتحدة حول المركز الاقتصادي الأول وما يتبعه من نفوذ على الصعيد العالمي. المنافسة جيدة وتخلق التجدد والإبداع وتؤثر إيجاباً على الإنتاجية. فيما حاولت أمريكا سابقاً السيطرة سياسياً على الصين، تبين للإدارات المتعاقبة صعوبة ذلك، لذا تغيرت الاستراتيجية نحو محاولة تغيير تصرف الصين، أي تخفيف المواجهة وجذبها إلى الاقتصاد الحر بحيث تصبح المنافسة اقتصادية فقط.

لكن هذا لم ينجح، إذ كبر المارد الصيني إلى حدود لم يكن يتوقعها أحد، لذا تحاول الولايات المتحدة المحافظة على تفوقها على الصين ليس فقط اقتصادياً وإنما عسكرياً أيضاً عبر الإنفاق الجديد على أهم أنواع الأسلحة وأحدثها. تحاول الولايات المتحدة تخفيف تجارة سلع وخدمات التكنولوجيا مع الصين ووضع تعريفات جمركية على الواردات الصينية بغية تخفيف عجلة النمو الصيني. كما أن الاستثمارات الأمريكية في الصين والعكس هما في انحدار ملحوظ.

بالرغم من أن الصين أصبحت قوة اقتصادية كبرى وربما الأولى إذا حسبنا الناتج المحلي الإجمالي تبعاً للقوة الشرائية، لم ينعكس هذا النجاح بعد على معيشة الأسر خاصة إذا ما قورنت بالغرب. نسبة استهلاك الأسر الصينية من الناتج ما زالت منخفضة تبعاً للمعايير الغربية. لا شك أن الاستثمارات الداخلية كبيرة، لكن عائدها ينخفض مع الوقت، وهذا طبيعي في دولة نمت بسرعة لفترات طويلة. أما المحافظة على نسبة منخفضة من البطالة فتم عبر الاستثمار في العقارات الذي بلغ 29% من الناتج، وهي نسبة مرتفعة. توقعت شركة «غولدمان ساكس» أن يصبح الاقتصاد الصيني الأول عالمياً في حدود سنة 2025، لكنها أعادت تقييمها وأجلت النتيجة إلى 2035، ما يعكس التطورات السلبية على صعيدي الكورونا والسياسة والهيكلية السكانية.

تنحدر نسبة العمالة الصينية خاصة منذ 2015 بسبب سياسة الطفل الواحد التي بقيت لعقود وتعدّلت حديثاً، ما فرض محاولة زيادة الإنتاجية للتعويض، فلم تتحقق كلياً. السياسة الصحية وكذلك المنافسة مع أمريكا والغرب تؤخران صعود الصين وتفرضان عليها المواجهة في ظروف جديدة خطرة. أما المنافسة مع الدول الآسيوية كاليابان والهند فستشكل قلب السياسات الصينية المقبلة.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4r7esfvs

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"