يونس السيد
إصرار إسرائيل على اجتياح مدينة رفح برياً، ورغبة نتنياهو في تحدي المجتمع الدولي، والظهور بمظهر رئيس الوزراء القوي الذي يمكنه مواجهة الضغوط الدولية، يكشف عن حقيقة الخطط الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين، ما قد يشكل نقطة تحول للصراع في المنطقة، ويضع الجميع أمام مفترق طرق خطر.
ليست رفح ساحل النورماندي ولا خط ماجينو ولا حتى خط بارليف، وأهميتها الاستراتيجية تكمن في كونها مدينة حدودية مع مصر وتحوي معبراً يمثل شريان الحياة بالنسبة للقطاع بأكمله في ظل الحصار الإسرائيلي. لكن الأهم أنها تحتضن نحو مليون ونصف مليون لاجئ فلسطيني، أي أكثر من نصف عدد سكان القطاع، على مساحة جغرافية تقل عن 20 في المئة من مساحته الكلية، وتشكل الملاذ الأخير للنازحين الذين أجبروا تحت نيران القصف الإسرائيلي على الفرار من مختلف أنحاء القطاع، بعد أن حددت هذه المنطقة لهم ك«منطقة آمنة».
تستطيع إسرائيل تنفيذ تهديداتها باقتحام رفح، نظراً للفرق الهائل في القوة بين جيشها وبين الفصائل الفلسطينية، لكنها تدرك أن صورة النصر التي تبحث عنها ليست موجودة في رفح، إلا إذا كانت تعتبر أن ارتكابها إبادة جماعية جديدة لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، وجهاً لهذا النصر. لقد اجتاحت القوات الإسرائيلية برياً كل مناطق قطاع غزة باستثناء رفح، ولم تتمكن من فرض سيطرتها الحقيقية على القطاع، لا في الشمال ولا في الوسط ولا في الجنوب، ولم تحقق أي هدف من الأهداف المعلنة للحرب.
وبالتالي فإن الإنجازات التي تتحدث إسرائيل عن تحقيقها وصورة النصر التي يبحث عنها نتنياهو، لا تزال تقترن فقط بعمليات القتل والتدمير لعشرات آلاف الفلسطينيين، وتسوية نحو 80 في المئة من البنية التحتية والعمرانية في القطاع بالأرض.
في الواقع، يكشف الإصرار الإسرائيلي على اجتياح رفح برياً، والموقف الأمريكي الخجول الذي يشترط إجلاء مئات آلاف المدنيين قبل شن الهجوم، ليس فقط عن خطط تهجير الفلسطينيين قسراً من ديارهم وإعادة الاحتلال والاستيطان إلى القطاع تحت ضغط اليمين الإسرائيلي المتطرف، وإنما القضاء على كل أمل في إمكانية إيجاد تسوية للصراع في المنطقة. ذلك أن تهجير الفلسطينيين بالقوة إلى سيناء، المرفوض بقوة من جانب مصر، سيمس دون شك بالأمن القومي المصري، كما أنه يفتح الطريق أمام تهجير فلسطينيي الضفة الغربية إلى الأردن، وهو الأمر الذي اعتبره بمثابة «إعلان حرب»، كما أنه قد يؤدي لاحقاً إلى تهجير فلسطينيي ال48، سواء إلى لبنان أو إلى أماكن أخرى.
وبالتالي لن يكون هناك مفر من توسيع الصراع إلى المحيط الإقليمي، وربما إلى ما هو أبعد من ذلك، خلافاً لما دأبت واشنطن على رفضه، طوال الوقت، فهل سيكون لها موقف حاسم تجاه منع انفجار كبير قد يعيد خلط الأوراق ويهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها ربما لعقود مقبلة؟ سؤال ستجيب عنه الأيام المقبلة دون شك.