يونس السيد
بعد عامين من بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، بات واضحاً أنها تحولت إلى حرب شاملة هجينة بين روسيا والغرب، من دون أن تجد طريقها إلى الحسم، رغم وجود مؤشرات تعطي التفوق لموسكو في نهاية المطاف.
ومع دخول الحرب الأوكرانية عامها الثالث، فقد اتضح أن الأسباب التي أدت لاندلاعها والأهداف الروسية في الحفاظ على مصالحها الحيوية، وإبعاد حلف «الناتو» عن حدودها وإعادة صياغة الأمن الأوروبي على نحو منصف يخدم مصالح كل الأطراف لا تزال قائمة.
وبالتالي فإن استمرار الحرب يبدو أمراً طبيعياً طالما أن نصراً حاسماً لأي من الطرفين لا يلوح في الأفق، وطالما أن هناك من يمنع التوصل، عبر المفاوضات، إلى صفقة تسوية شاملة ومتوازنة تحقق مصالح جميع الأطراف.
بهذا المعنى تحولت الأزمة الأوكرانية إلى حرب استنزاف لكل الأطراف، على الرغم من أن التفوق الميداني بات لصالح روسيا، لا سيما بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد، والانتصارات العسكرية الروسية الجزئية في كثير من محاور القتال. وربما يكون الانقسام الغربي حول تمويل الحرب في أوكرانيا، وأحياناً حول جدوى الحرب نفسها، بعد أن كادت تدفع إلى صدام مباشر بين روسيا و«الناتو» في أكثر من مناسبة، والتلكؤ في إرسال السلاح إلى كييف، سبباً في إطالة أمد هذه الحرب الهجينة وتداعياتها، ونقول هجينة لأنها تخاض من جانب الغرب بالوكالة ضد روسيا.
وبينما ينقسم الكونغرس الأمريكي حول إقرار صفقة تمويل الحرب الأوكرانية بمليارات الدولارات، وإرسال المزيد من الشحنات العسكرية إلى كييف، بسبب معارضة الجمهوريين، أقر الاتحاد الأوروبي متأخراً مساعدات بنحو 50 مليار دولار لأوكرانيا، في رهان على إمكانية استنهاض القوات الأوكرانية ودفعها إلى هجوم مضاد جديد.
والحقيقة أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يزالان يراهنان على إمكانية هزيمة روسيا في أوكرانيا، وهو ما لا يبدو هدفاً واقعياً. فمن جهة، من يحقق مكاسب عسكرية في الميدان هو القوات الروسية، كما أن الرهان على انهيار الاقتصاد الروسي وعزل روسيا سياسياً ثبت فشله من جهة أخرى، بعد أن أخفقت العقوبات في تحقيق أهدافها، وبعد أن تزايد الحضور الروسي في الساحة الدولية.
فبينما لا يزال الاقتصاد الأوروبي يعاني الركود، وكذلك الحال بالنسبة للاقتصاد الأمريكي الذي يرزح تحت عبء التضخم، يحقق الاقتصاد الروسي المزيد من النمو، إذ بحسب الخبراء، نما الناتج المحلي الإجمالي في روسيا لعام 2023 بنسبة 3.6 في المئة، وهي نسبة أعلى من معظم الدول الغربية، التي دخل بعضها في ركود جديد.
في المحصلة، وبعد عامين على الحرب الأوكرانية، تقلصت فيها الآمال بتحقيق نصر حاسم لأي من الأطراف، إلا أنها لا تزال تشكل منعطفاً لإعادة رسم خرائط النفوذ وموازين القوى، بما يُبقي الأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات.