يونس السيد
بعد أكثر من أربعة أشهر من المماطلة، وبعد ضغوط داخلية وخارجية، أفرج بنيامين نتنياهو عن خطته لما يسمى ب«اليوم التالي» لانتهاء الحرب على غزة، وهي خطة لا تتجاوز الصفحة وربع الصفحة، وتحمل تصوراً أقرب إلى السريالية منه إلى الواقع الذي كان منفصلاً عنه، كما يبدو.
هي خطة متخيلة إذن من إبداع نتنياهو، ليس فقط لكونها تخليداً للاحتلال وإدامة الحصار والسيطرة الأمنية على قطاع غزة والضفة الغربية برمتها، أي السيطرة على فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، ولا لأنها تصل إلى حد السيطرة على حياة الفلسطينيين وإعادة تربيتهم وتثقيفهم على حب إسرائيل، من دون إعطائهم أي حق من حقوقهم الشرعية، ولكن لأن الأمر كله يتوقف على نتيجة الحرب التي لم تحسم ولم تحقق أياً من أهدافها، حتى الآن. ولا أحد يدري من أين سيأتي هذا الحب بعد كل هذا الخراب والدمار وسقوط عشرات آلاف الضحايا من المدنيين الأبرياء.
في المقام الأول، لا يبدو أن نتنياهو مهتم بالبحث عن حلول بقدر ما هو مهتم بإدارة الصراع والتخلص من تلك الضغوط التي تطالبه بوضع تصور لما بعد الحرب. لكن هذا التصور الذي جاء متأخراً كثيراً، لم يقنع الإسرائيليين أنفسهم، إذ إن معظم المحللين والمعلقين الإسرائيليين يعتبرون خطة نتنياهو غير جادة وغير قابلة للتنفيذ، وأنها موجهة لحلفائه في اليمين المتطرف للحفاظ على قاعدته الانتخابية وضمان بقائه أطول فترة ممكنة في الحكم.
وبالتالي فعندما يرفض نتنياهو أي شريك فلسطيني، باستثناء العشائر، التي يعتقد أنها ستساعده على تنفيذ خطته، متجاهلاً ما حدث لروابط القرى في ثمانينات القرن الماضي، فإنه يريد عرقلة أي حلول سياسية، أو الحديث عن أي سلام مستقبلي مع الفلسطينيين، أو العمل على استقرار المنطقة، خلافاً لما تعمل عليه الولايات المتحدة ودول إقليمية، وما يقال عن خطة عربية أمريكية لإنهاء الحرب وفتح أفق سياسي لإقامة دولة فلسطينية، من المؤكد أن أمن المنطقة واستقرارها لن يتحقق بدونها.
وهناك من الكتاب والمحللين الإسرائيليين من يعتبرون أن نتنياهو يذهب في خطته المتخيلة إلى حد إقامة ثلاثة كيانات بين النهر والبحر (إسرائيل وكيان عشائري في غزة وكيان في الضفة الغربية) فقط من أجل استبعاد «حل الدولتين».
ولم يكتف نتنياهو بالتفاخر بأنه عمل تاريخياً على منع إقامة دولة فلسطينية، بل قام باتخاذ خطوات عملية وتشريعية في مجلسه الوزاري وفي الكنيست لترسيم الرفض الإسرائيلي لأي اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية.
الغريب أن خطته تضمنت بنداً، لا علاقة له باليوم التالي لحرب، يؤكد أن إسرائيل ستعمل على حل وكالة «الأونروا» في قطاع غزة واستبدالها بوكالات إغاثية دولية أخرى، بعد أن مهّد لشيطنتها وقطع التمويل عنها، سعياً لتصفيتها لارتباطها بحق العودة باعتباره جوهر القضية الفلسطينية، وهو ما يكشف أهداف نتنياهو الحقيقية.