الشارقة:«الخليج»
يصحب معرض «تكوين: العلوم والإبداع» الذي يستمر حتى السادس من مارس/آذار، زوار «بيت الحكمة» في الشارقة إلى عالم الرياضيات للتعرف إلى إبداعات روادنا الأوائل في هذا العلم التطبيقي عبر مجموعة فذّة من المخطوطات التي توثق شغف علماء «بيت الحكمة» البغدادي بعلم الرياضيات، وما حظي به من اهتمام بالغ من قبل الخلفاء العباسيين الذين شجعوا على جمع صنوف الكتب والمؤلفات، واستقبلوا علماء الرياضيات الهنود آنذاك، وأوفدوا بعثات علمية لاستعادة وحفظ الكتب المهملة في أقبية الإمبراطورية البيزنطية بقيادة العديد من العلماء من أمثال عالم الرياضيات الحجاج بن مطر.
كان المسلمون أول من نحت اسم «علم الجبر»، واستعملوه في استخراج المجهولات العددية من معلومات مخصوصة. وكان عالم الرياضيات محمد بن موسى الخوارزمي أول من أرسى لبِنَات هذا العلم، وألف فيه كتباً، من أهمها كتاب «الجبر والمقابلة» الذي تُرجم إلى عدة لغات.
ويعد الخوارزمي من أبرز علماء العصر الذهبي نظراً لإسهاماته الرائدة التي غيرت مسار العلوم ولا تزال آثارها ممتدة حتى اليوم، ما خلع عليه ألقاباً عديدة مثل «أبو الرياضيات» و«أبو الحاسوب» بعدما نجح في تطوير طرق سريعة لضرب الأرقام الحسابية وتقسيمها وتطوير مجال البرمجيات، فيما عُرف بمفهوم «الخوارزميات».
ويضم قسم الرياضيات في معرض «تكوين» مخطوطات تقدم تأصيلات وشروحاً لعلم الجبر والمقابلة، من بينها «فتح المبدع في شرح المقنع في الجبر والمقابلة» من تأليف زكريا بن محمد الأنصاري المصري، و«شرح الأرجوزة الياسمينية في علم الجبر والمقابلة»، و«اللمعة الماردينية في شرح الياسمينية» لمحمد بن سبط المارديني.
نظام عددي
طور العلماء المسلمون الأرقام الهندية وصنّفوا فيها مجلدات أسهمت في انتشارها داخل الأقطار العربية، وأسهموا في تأسيس نظام عددي عربي من خلال مؤلفات في الأعداد والعمليات الحسابية بين مضروب ومضروب به، ومقسوم ومقسوم عليه، ومجموع، وجداول النسبة التي تبين مراتب الآحاد والعشرات والمئات وأدراج المربوع والثواني والثوالث والروابع. ومن الأمثلة على ذلك في المعرض مخطوطة من كتاب «تلخيص نهاية الرتبة في العمل بجداول النسبة» لمحمد بن محمد الصوفي.
تطور علم الحساب
يستعرض قسم الرياضيات بالمعرض تطور علم الحساب منذ أواخر القرن السابع إلى القرن الثالث عشر الهجري، من خلال أعمال مؤلفات علماء الرياضيات والحساب، بدءاً بمخطوطة «تلخيص أعمال الحساب» لأحمد بن محمد ابن البنّاء المراكشي نهاية القرن السابع، و«المعونة في الحساب» لأحمد بن محمد بن الهائم المصري القدسي في القرن الثامن، مروراً بكتاب «الرسالة الشمسية في الحساب» لحسن بن محمد النظّام النيسابوري في القرن التاسع، و«خلاصة الحساب» لمحمد بن حسين بهاء الدين العاملي في القرن العاشر، و«شرح خلاصة الحساب» لعبد الرحيم بن أبي بكر بن سليمان المرعشي في القرن الحادي عشر، وصولاً إلى القرن الثالث عشر الهجري مع كتاب «التبصرة في الحساب» لإبراهيم بن أبي طالب.
يقام المعرض بالتعاون مع مركز الملك فيصل كشريك استراتيجي، وهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون كشريك إعلامي، وبرعاية ودعم كل من دائرة العلاقات الحكومية في الشارقة، وهيئة الإنماء التجاري والسياحي بالشارقة، وهيئة الشارقة للمتاحف.
حاضنة عالمية للأفكار
يزخر تاريخنا العربي والإسلامي بالكثير من علماء الرياضيات الذين قادوا ثورة علمية كبرى للاكتشافات والاختراعات الرياضية المحورية في العالم، وخصوصاً أثناء العصر الذهبي للحضارة العربية والإسلامية داخل أروقة «بيت الحكمة» القديم في بغداد، الذي كان حاضنة عالمية للأفكار جذبت إليها ألمع العقول والعلماء الذين لم يكونوا رواداً فحسب، بل أساتذة في مجالاتهم، وسبقوا عصرهم، من أمثال الخوارزمي، والبيروني، والطوسي، وثابت بن قرة، وغيرهم الكثير.
عكف هؤلاء العلماء على جمع نِتاجِ ما توصلت إليه الأمم السابقة في حقل الرياضيات ونقلوها إلى العربية؛ فترجموا كتاب «المجسطي» لبطليموس، وبعض كتب أهل الهند وأدخلوا الحساب الغباري، ومن ثمّ تعاقبوا على دراسة هذا العلم والإبداع فيه، فأدخلوا مفهوم الصفر الذي سمح باستكشاف ترتيب الخانات والكسور العشرية، وطوّروا النظام الجبري المعروف باسم «الجَبْر»، وكذلك الأرقام الهندية، ووضعوا نظرية «النِسَب» التي مهّدت لاكتشاف مفاهيم الأعداد الحقيقية والحساب التفاضلي.
