الهدنة والشروط المتبادلة

00:34 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

تراجعت الرهانات بشأن التوصل إلى اتفاق حول الهدنة وصفقة تبادل الأسرى والمحتجزين في قطاع غزة، رغم الضغوط الأمريكية المكثفة لإبرامها قبل حلول شهر رمضان، وهو ما بات مستحيلاً بعدما اصطدمت الأطراف المعنية بالشروط المتبادلة.

قد يتصور بعضهم أن الطرف الفلسطيني هو الأكثر احتياجاً للهدنة وصفقة التبادل نظراً للوضع الإنساني الكارثي الذي يعيشه الفلسطينيون في قطاع غزة، ومآلات القتل والحصار والتدمير والتجويع. وبالتالي، من مصلحة الطرف الفلسطيني التوصل إلى اتفاق، لكن ليس بأي ثمن، كما يبدو، إذ إنه يرهن ذلك بقبول اشتراطاته الأساسية المتمثلة في وقف الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى خارج حدود القطاع وعودة المدنيين إلى الأماكن التي نزحوا منها، ويتحدث عن إبداء المرونة في بقية التفاصيل.

كما أن الطرف الإسرائيلي قد لا يكون أقل احتياجاً للهدنة، بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على اندلاع الحرب لم يحقق خلالها شيئاً باستثناء الإبادة والتدمير. ناهيك عن أن الجيش الإسرائيلي بات يتعرض لانتقادات لاذعة، في وسائل الإعلام الإسرائيلية، تشكك في أدائه وقدراته، حتى إنها تتهمه بالعجز والفشل في أداء مهامه.

في حين تزداد الضغوط الداخلية والخارجية، والأمريكية تحديداً، لإبرام هذه الصفقة، رغم معارضة نتنياهو الذي يصّر لحسابات شخصية وسياسية على مواصلة الحرب حتى تحقيق ما يسميه «الانتصار الساحق» بالقضاء على «حماس» والفصائل الفلسطينية، واستعادة المحتجزين بالقوة من قطاع غزة.

ومن مصلحة واشنطن أيضاً التوصل إلى اتفاق لاعتبارات تتعلق بالداخل الأمريكي وتهدئة المحتجين في الشارع وفي الإدارة للمطالبة بوقف الحرب، واسترضاء المتمردين الديمقراطيين الذين رفضوا التصويت لبايدن ضمن الانتخابات التمهيدية في ميتشغان ومنيسوتا وربما غيرهما، ما يؤثر جدياً على حظوظه في الفوز بولاية ثانية.

كما أن واشنطن تريد الحفاظ على مصالحها في المنطقة، بعدما بات انحيازها الأعمى لإسرائيل ودعمها عسكرياً وتغطيتها سياسياً يضعها في مصاف الشريك الفعلي في المجزرة البشرية التي ترتكب في قطاع غزة. وبالتالي سعت واشنطن بقوة للتوصل إلى اتفاق قبل حلول شهر رمضان، ليس فقط من أجل تحسين صورتها داخلياً وخارجياً، وإنما لأنها تخشى أيضاً من انفجار الأوضاع في كل المنطقة خلال شهر رمضان إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.

لكن رهان واشنطن سقط لكونها تتقاطع مع إسرائيل في معظم أهداف الحرب، وترفض وقفاً دائماً لإطلاق النار، وإن كانت تختلف معها بشأن «اليوم التالي» والأفق السياسي لحل الصراع. بهذا المعنى فإن الصفقة التي يجري الحديث عنها، تتعلق فعلياً بهدنة مؤقتة لمدة ستة أسابيع مقابل إطلاق الرهائن وزيادة المساعدات، أي أن إمكانية استئناف الحرب تبقى مفتوحة. وهو ما يرفضه الطرف الفلسطيني ويصّر عليه الطرف الإسرائيلي، وبالتالي فإن الشروط المتبادلة تعيد الجميع إلى المربع الأول، أي إلى الميدان، وما يمكن أن يفرزه من تداعيات قد تخرج عن السيطرة وتطول المنطقة برمتها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4m4m3kxb

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"