انتقل الذكاء الاصطناعي إلى قمة جدول الأعمال لدى الشركات التي بدأت بتسريع خطواتها لفهم فوائده والاستفادة من التطورات الحاصلة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي وتحليلات البيانات الضخمة في عملياتها الخاصة. وإلى جانب هذا التطور، هناك أيضاً موجة متزايدة من القلق بشأن الأثر السلبي المحتمل لهذه التقنيات الحديثة، حيث بدأت المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي منذ بعض الوقت، وتتراوح بين الخوف من أن يترك الذكاء الاصطناعي البشر بدون وظائف إلى أفكار مستقبلية يجوبها القلق حول الروبوتات القاتلة.
ومع تزايد الوعي بقدرات الذكاء الاصطناعي، يتزايد أيضاً فهم الطرق التي يمكن أن تتسبب بها هذه التقنيات بالضرر والنفع بشكل غير مخطط له. ويدرك قطاع التكنولوجيا والحكومات اليوم الخطر الحقيقي الذي يمثله عدم خضوع حلول الذكاء الاصطناعي للرقابة أو المساءلة والذي يمكن أن يتسبب بمشكلات كبيرة في العديد من المجالات المختلفة.
وشهدنا في الآونة الأخيرة اندفاع في النشاط الحكومي مع تسارع صُنّاع السياسات إلى سَنّ التشريعات للحد من هذه الأضرار المحتملة. وأصدر الرئيس الأمريكي بايدن في نهاية أكتوبر 2023 أمراً تنفيذياً بشأن الذكاء الاصطناعي، يسعى إلى تطوير "حواجز حماية" حول استخدامات هذه التقنية، حيث قال: "لنتمكن من حصاد ثمار الذكاء الاصطناعي وتجنب مخاطره، نحتاج إلى التحكم بهذه التقنية".
وأعقب الأمر التنفيذي بعد بضعة أيام توقيع إعلان بلتشلي في المملكة المتحدة من قبل 28 دولة شملت الإمارات العربية المتحدة. ويُعدّ هذا الإعلان محركاً آخر للتنسيق العالمي بشأن تنظيم الذكاء الاصطناعي، حيث ينص على أنه: "من أجل مصلحة الجميع، ينبغي تصميم حلول الذكاء الاصطناعي وتطويرها ونشرها واستخدامها بطريقة آمنة وتلبي احتياجات الإنسان وتتمتع بالموثوقية والمسؤولية". إضافةً إلى ذلك، نشرت دولة الإمارات العربية المتحدة مبادئها وإرشاداتها الخاصة بأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي في ديسمبر 2022، وتتخذ العديد من الدول نهجاً استباقياً تجاه الذكاء الاصطناعي والتشريعات الخاصة به. ومن الجدير بالذكر أيضاً أن كلاً من الأمر التنفيذي الأمريكي وإعلان بلتشلي يعترفان بالقيمة المحتملة التي يمكن أن يجلبها الذكاء الاصطناعي. ولكن لنتمكن من الحفاظ على حقوق الإنسان وسلامته وخصوصيته في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، يتعين علينا أيضاً أن نكون حذرين من ألا تُضيّق التشريعات أفق الابتكار.
قد يكون وضع قوانين تَحكُم هذه التقنية أمراً صعباً، خصوصاً مع الوتيرة السريعة لتطور الذكاء الاصطناعي بسرعة استثنائية. ويعني ذلك أنّ واضعي القوانين قد يواجهون صعوبة في وضع السياسات واللوائح التي ستصبح قديمة أو غير فعالة مع تسارع وتيرة التطوّر التقني. ويحتاج التنظيم أيضاً إلى المرونة لمواكبة التقدم التقني وإلّا فقد يصبح عائقاً أمام نموه. وبالنسبة للتقنيات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يكون الإفراط في التنظيم ذو تأثير خطير بعدة طرق.
يعتبر الخطر الأكبر هو تضييق أفق الابتكار وإعاقته، حيث تزدهر التكنولوجيا اليوم بفضل قدرة المطورين والشركات الناشئة على التجربة والابتكار واختبار الأفكار والحلول الجديدة. ويحتاج الباحثون والمطورون إلى الحرية كي يتمكنوا من الابتكار في حدود المعقول، وقد تؤدي اللوائح الصارمة للغاية إلى تثبيط الشركات عن تجربة تقنية الذكاء الاصطناعي. ويمكن أن يؤدي الإفراط في التنظيم إلى التركيز على الامتثال وقد تتراجع الشركات عن إطلاق مشاريع مبتكرة من المرجح أن تصطدم بحاجز تنظيمي. وقد يؤثر الإفراط في التنظيم أيضاً على الاستثمار في هذا القطاع ويُصعّب على شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة والشركات الصغيرة العمل، مما يقلل بدوره من المنافسة والابتكار في السوق بشكل عام. وفي ما يتعلق باعتماد الذكاء الاصطناعي في العالم الحقيقي، قد تجد الشركات أن الامتثال لتنظيم الذكاء الاصطناعي مكلف أو معقد للغاية، مما يؤدي إلى تباطؤ معدل اعتماد هذه التقنية وخاصةً في مجالات مثل الرعاية الصحية أو التعليم، وهي قطاعات من المحتمل أن يحقق فيها الذكاء الاصطناعي نجاحات واسعة.
وكما هو الحال مع كل شيء، فإن تنظيم الذكاء الاصطناعي بشكل صحيح سيكون مسألة تحقيق توازن بين الابتكار والحماية. ويشير إعلان بلتشلي إلى "أهمية توفير النهج الداعم للإبداع والحوكمة والنهج التنظيمي بشكل متناسب" في التعامل مع الذكاء الاصطناعي، وهو مؤشر جيد على أن الحكومات تفهم أهمية التوازن الدقيق المطلوب لإنشاء تنظيم فعال للذكاء الاصطناعي. ويحتاج قطاع التكنولوجيا إلى جانب القطاعات الأخرى والأوساط الأكاديمية اليوم إلى دعم الجهود الحكومية لإنشاء لوائح مرنة وقابلة للتكيف من شأنها أن تضمن المسؤولية والحيوية والابتكار في قطاع الذكاء الاصطناعي على مدى السنوات المقبلة.
