عادي
مدن تكتب التاريخ

«تمبكتو».. واحة الإسلام في غرب إفريقيا

15:09 مساء
قراءة 3 دقائق
تصميم معماري خاص في تمبكتو

الشارقة: علاء الدين محمود

تحضر تمبكتو، المدينة التي تقع شمال دولة مالي في غرب إفريقية، بقوة في التاريخ والحضارة الإسلامية، وهي شاهد على لقاء الدين الإسلامي بالثقافة الإفريقية الأمر الذي كون لها خصوصية عبر التاريخ، رسخت في أذهان المسلمين حول العالم، ولا تزال تحتفظ بطابعها ورونقها، وتعد إلى الآن قبلة للناس من مختلف الأرجاء يزورونها ويجولون في معالمها الإفريقية الإسلامية كما اشتهرت واحة تمبكتو بكونها حاضنة الإسلام في الصحراء، ومنارة العلم، ومجمع العلماء، فهي من أشهر مدن غرب إفريقية منذ القرن الـ13 الميلادي.

«جوهرة الصحراء»، ذلك هو اللقب الذي حملته مدينة تمبكتو، تلك الواحة الساحرة، التي أثرت شغف واهتمام المستشرقين بجمالها وسحرها الصحراوي، كما سميت قديماً ب«تنبكت»، وهي بمثابة بوابة بين شمال إفريقيا من بلدان ليبيا وتونس والمغرب والجزائر وموريتانيا، وغربها الذي يضم بلدان اعتنقت شعوبها الإسلام وصار الديانة الأولى فيها مثل، الكاميرون والسنغال ونيجيريا والنيجر وغيرها، وهناك عوامل أسهمت في دخول الإسلام إلى غرب إفريقيا ما بين الفتوحات العسكرية والتجارة والتصوف، إذ أسهم فيه القادمون من الشمال الإفريقي من عرب وأمازيغ طيلة قرون طويلة في نشر الإسلام هناك ضمن عملية بطيئة، لم يخطَّط لها مثل الفتوحات الأولى، غير أنها أحدثت تغييراً كبيراً بين تلك الشعوب، وهنا جاء دور الموقع المميز لتمبكتو ملتقى القوافل البرية.

*بلاد العلماء

تعد تمبكتو من العواصم الإسلامية التي أسهمت في انتشار الإسلام بقوة ليس في داخل إفريقيا وحدها بل والعالم، فقد كانت من المدن التي تشد إليها رحال طلاب العالم لكونها قد أنجبت العديد من الفقهاء والعلماء، كما ازدهرت فيها حركة ثقافية كبيرة، وظلت على الدوام مطمع للمحتلين خاصة في أزمنة الاستعمار، إذ تعاقب عليها الغزاة وكان آخرهم الاحتلال الفرنسي، الذي قاومه محمد علي الأنصاري، حيث ناضل وجاهد ضد المحتلين الفرنسيين، حتى قتل من قبلهم في عام 1897.

جميع سكان تمبكتو هم من المسلمين، وتعج بالكثير من القبائل، منهم قبيلة تدعى الأنصار، وهناك «السنغاي» ذات الأغلبية السكانية، إلى جانب بعض القبائل المتفرعة من الأدارسة الذين اشتروا منطقة شمال النهر، إضافة إلى مجموعات سكانية ذات أصول عربية، وهناك الطوارق والبرابيش والبربر والفولان، وكلها مجموعة تمازجت وشكلت لوحة اجتماعية راقية من حيث الترابط والتصاهر، والواقع أن العديد من الحكام والزعماء قد تعاقبوا على حكم تمبكتو، وأشهر الذين حكموها كانوا من قبيلة مسوفة من البربر، الذين استمر حكمهم منذ ثلاثينيات القرن الـ14 الميلادي، وفي فترة عهدهم زار المدينة الرحالة ابن بطوطة، وكتب عنها الكثير ووصفها بـ«مدينة الملثمين»، نسبة لطريقة ارتداء الطوارق للعمامة.

ومن أشهر المنعطفات والمحطات في تاريخ المدينة، عندما حكمها آسكيا محمد الهادي «1493-1528»، الذي شهدت معه تمبكتو ازدهاراً كبيراً، فقد اهتم بالعلم والعلماء، وفي عصره، برز في المدينة العديد من أهل العلم المعروفين مثل، أحمد بابا التنبكتي، وغيره من الذين ذاع صيتهم في كل العالم في ذلك الوقت.

*حكاية

أراء كثيرة حول سر تسمية «تمبكتو»، لعل أشهرها هي أن تلك الكلمة تعني «حافظ الأمانات»، وهي مأخوذة من امرأة من الطوارق اسمها «تن بكتاون»، وكانت تقطن في الموقع الذي تأسست عليه المدينة في ما بعد، عرفت هذه المرأة بحفظها للأمانات والودائع والأمتعة للسكان الرحل، فاشتهر بها المكان وغلبت التسمية على المدينة بعد ذلك، ولأن الطوارق قد سموا تمبكتو بهذا الاســـم لارتباطها عندهم بتلك المرأة، فإن القواميس الإنكليزية تفسر هذه التسمية بأنها المكان القصي الذي لم تطأه قدم البشر ولم يدركه بصر، فقد اشتهرت تلك البقعة في غرب إفريقيا بالأساطير والعوالم العجيبة.

*معالم

اشتهرت تمبكتو بكونها مدينة المعالم والآثار والكنوز والثقافة والتراث الإسلامي، وتزخر بالعديد من القباب، حيث اشتهرت بطابعها الروحي والصوفي، إضافة إلى المكتبات وأهمها مكتبتها العريقة التي تضم 300 ألف مخطوطة عربية، وتختزن صفحات هذه المخطوطات واحداً من أهم الكنوز الثقافية الإسلامية في إفريقيا، كما تضم المدينة الكثير من المساجد الأثرية أشهرها مسجد «جينكريبر» أو «جنقراي بير»، وهو يقع في أقصى الغرب من المدينة، وقد بناه المعماري والشاعر الأندلسي أبو إسحاق الساحلي الذي استقدمه السلطان مالي مانسا موسى، معه عند عودته من الحج، فكان ذلك بداية دخول الفن المعماري الأندلسي للمنطقة، وقد صنفت «اليونسكو» هذا المسجد عام 1992 ضمن قائمة التراث العالمي، إلى جانب بعض البقع الأخرى، وكذلك يعتبر مسجد «سنكري»، أحد أقدم معالم المدينة، وكان من أبرز مؤسسات التعليم في تمبكتو، إضافة إلى مسجد «سيدي يحيى» الذي أسسه عام 1400م الشيخ المختار حماه الله، ويوجد في قلب المدينة القديمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5bwv6thj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"