عادي
صدر في الشارقة

قرطاجنة.. أعجوبة الدنيا

23:18 مساء
قراءة 5 دقائق
فوزي محفوظ

الشارقة: عثمان حسن

يخوض كتاب «أساطير قرطاجنة في عيون المؤرخين العرب» للأكاديمي التونسي فوزي محفوظ في موضوع عسير حول مدينة قرطاجنة التونسية التي كتب الكثير عنها في العصور القديمة، قدرت بعشرات المجلدات، والمؤلف يبحث في هذه الأعمال خاصة العربية، ويحللها بعين الناقد والمؤرخ المجدد، أكثر من اعتماده على النقل عمن سبقوه من المؤرخين، مضيفاً من واقع خبرته في مستوى الفهم التاريخي للروايات وأيضاً معرفته بطوبوغرافيا المكان. والكتاب صدر عن معهد الشارقة للتراث.

جاء الكتاب في مقدمة عامة وقسمين رئيسيين وكل قسم يتفرع إلى عدة أبواب، القسم الأول بعنوان (دراسة في تاريخ قرطاجنة ورؤية المؤلفين العرب لتاريخها القديم)، والثاني: (مقتطفات من نصوص المصادر العربية حول قرطاجنة)، كما اشتمل الكتاب على فهرس بالأعلام وآخر بالأماكن، وقد ركز الكاتب على القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين.

في القسم الأول من الكتاب عرف فوزي محفوظ القارئ إلى كثير من المصادر العربية التي تعرضت لقرطاجنة، ودور هذه النصوص في التعريف بتاريخ المدينة وتسميتها، ونظرة العرب إليها وكيفية وصفهم لمعالمها القديمة، كما ربط المؤلف بين العصرين القديم والإسلامي، وحاول تبين مواضع التواصل والانقطاع في هذه المصادر، وفي القسم الثاني آثر محفوظ أن يثبت أقصى ما يمكن من مصادر النصوص التي استخدمها سواء المختلف أو المتشابه منها بما يفيد القراءة، وعرض ذلك كله حسب التسلسل الزمني لورود هذه النصوص العربية.

  • المدينة الفاتنة

كانت قرطاجنة بموقعها ومعالمها وبحرها وقنواتها المتفرعة في مختلف أرجاء المدينة فاتنة ساحرة، حتى عدت أعجوبة من عجائب الدنيا، شكلت بمعالمها الفاخرة وحدائقها الغناء وخضرتها اليانعة وبيئتها البرية – البحرية الجذابة فخراً واعتزازاً لسكان إفريقيا، فمدحها كل من زارها من المشرق والمغرب، ومن أشهر من ترددوا عليها وتجولوا في أرجائها الفقيه محرز بن خلف، أحد أعلام مدينة تونس البارزين ورموزها المرموقين (توفي في بداية القرن الحادي عشر الميلادي)، وكان يرتادها باستمرار للنزهة والاعتبار، وقد بكاها في قصيدة مطولة تشبه المرثيات حزناً على ما آلت إليه، وذلك في قصيدته الشهيرة «الجيد المنظم» التي تلخص المنزلة الرفيعة لقرطاجنة، ومدى إعجاب العرب المسلمين بهذه المدينة التي كانت في غاية الانتظام والانسجام والرفعة، تماماً مثل «الجيد».. وهذه المنزلة الرفيعة لقرطاجنة نجد ما يشبهها لدى المسعودي الذي جعلها على رأس المدن المعظمة عند أوائل الروم، في كتابه «مروج الذهب ومعادن الجوهر».

يرى المؤلف كثرة في المصادر العربية المتعلقة بقرطاجنة التي لم ينقطع ذكرها من القرن التاسع عشر إلى نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، وهناك من ألفوا في شأنها أغراضاً أدبية كثيرة مختلفة ومتباعدة، وهناك المؤرخون والجغرافيون والإخباريون والفقهاء وأصحاب التراجم والمعاجم والشعراء، ومن بينهم: خليفة بن الخياط العصفري (توفي بالبصرة / 854 م) ويعد من أقدم الإخباريين العرب وهو صاحب كتاب «تاريخ خليفة بن الخياط» وابن عبد الحكم (توفي بالفسطاط / 871 م) ألف كتاب «فتوح مصر والمغرب» وابن الفقيه الهمذاني (توفي سنة 902 م) صاحب كتاب «البلدان» وأبو العرب التميمي صاحب كتاب «طبقات علماء إفريقيا وتونس» والقاضي النعمان (توفي سنة 974 م) وهو أهم مؤرخي الدولة الفاطمية في إفريقية، ومن كتبه «المجالس والمسايرات» وأبو بكر المالكي (توفي بعد سنة 1091 م) واشتهر بكتابه «رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية وزهادهم ونساكهم وسير من أخبارهم وفضائلهم وأوصافهم).. ويستمر المؤلف ليصل إلى ياقوت الحموي (توفي سنة 1229 م) صاحب كتاب «معجم البلدان» ونجد فيه فصلاً عن قرطاجنة، اعتمد فيه على من سبقه من الجغرافيين، وبالتحديد علي البكري والإدريسي، وقد أولى عناية بمعالم المدينة وما كانت تزخر به من رخام ومواد بناء، وابن الأثير (توفي سنة 1233 م) صاحب موسوعة «الكامل في التاريخ» خص قرطاجنة بمعلومات وأخبار عن وضع المدينة وكيفية فتحها في زمن حسان بن النعمان.

ويذكر فوزي محفوظ في هذا السياق عبد الرحمن بن خلدون (توفي في القاهرة سنة 1406 م) وهو تونسي، أندلسي الأصل، صاحب كتاب «العبر ومقدمته» وهو من الشهود العارفين بحال قرطاجنة وأورد الكثير من المعطيات المتعلقة بتاريخها القديم، وتلك المعلومات التي تحكي عما تعرضت له المدينة بعد حملة لويس التاسع، والدمار الذي لحق المدينة وشمل أهم معالمها.

  • ريف تونس

يرى المؤلف أن مدينة قرطاجنة قد اصطبغت بصبغة ريفية فلاحية، بدأت تتشكل منذ القرن الحادي عشر الميلادي، ويشير في ذلك إلى ابن حوقل الذي ذكر أنها اشتهرت بالطيب وكثرة الفواكه وجودة الثمار وصحة الهواء واتساع الغلات، وكانت الخصوبة وجودة الثمار من أبرز ميزات قرطاجنة، هذه الوفرة التي تتواصل في القرن الثاني عشر الميلادي كما يفيد وصف الشريف الإدريسي الذي كتب «ويحيط بمدينة قرطاجنة أوطية من الأرض، وسهول، ولها مزارع وضروب غلات ومنافع جمة».. وهذه الطبيعة الفلاحية وردت على لسان كثير من المؤرخين، كما يفهم من حديث الحسن الوزان الذي يصف المدينة حوالي القرن السادس عشر الميلادي بقوله: «ويحيط بها ولا سيما من جهتي الغرب والجنوب، عدد كبير من الحدائق المليئة بالثمار التي لا يقل الإعجاب بضخامتها عن الإعجاب بجودتها، خصوصاً منها الخوخ والرمان والزيتون والتين، ومن هذه الحدائق تتزود تونس بالفواكه، والأرض المجاورة لقرطاجنة صالحة للزراعة لكنها ضيقة جداً».

  • أساطير

كان السؤال المحوري الذي أرَّق المؤرخين العرب وشغلهم منذ القرن الحادي عشر الميلادي هو: من بنى هذه المدينة الفخمة الضخمة ذات المعالم البهية الفاخرة؟ وهو سؤال كان يطرحه القاضي النعمان منذ العصر الفاطمي، من دون أن يعطي له إجابة، والمتمعن في المصادر التاريخية يرى ثلاث قصص جديدة لم تكن متداولة في العصور القديمة، الأولى حول أصول المؤسسين الأوائل، والثانية تتعلق بخبر نقيشة عثر عليها في قبر قديم بقرطاجنة، والثالثة تروي وقائع أسطورية وجدت في بحر رادس (نسبة إلى مدينة رادس التونسية) وهو الذي نسميه اليوم «خليج تونس» وتقع قرطاجنة على ضفافه..

وقد تحدث المقريزي (توفي سنة 1442 م) صاحب كتاب «المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار» عن القصة الأولى في إطار عنايته بتاريخ مصر القديم، وذكر في أكثر من مناسبة قرطاجنة، فقارن بين الأهرامات والحنايا الرومانية، ودافع عن فكرة وجود العمالقة وقيامهم ببناء المدينة، مستنداً في ذلك إلى قصة حفر قبر في قرطاجنة، والعثور فيه على جثة عظيمة وبجانبها نقيشة سبئية قديمة، ثم تعرض لكيفية حرق المدينة بعد نهاية الحرب البونية الثالثة.

  • في الأدب

اكتشف الوسط الأدبي الثقافي في تونس في الثلث الأول من القرن العشرين شعراً منسوباً إلى محرز بن خلف كان غرضه الأساسي قرطاجنة، ومحرز بن خلف كان شخصية مشهورة بمدينة تونس، ومن أعيانها المرموقين، حتى أنه لقب ب«سلطان المدينة»، ولد سنة 935 م، اشتغل بالتدريس، وأشعاره في قرطاجنة ذات امتدادات اجتماعية وسياسية وأسطورية، وفي إحدى قصائده يشير إلى أن المدينة من بقايا آل عاد، ولكنه يعطي اسماً لأحد الملوك القدامى، وهو «ندب» في إشارة إلى حاكم طاغية انتهت أحوال مدينته إلى الخراب.

  • اقتباسات

- ذكر ياقوت الحموي مدينتين باسم قرطاجنة تقعان في إفريقيا والأندلس.

- تسمية قرطاجنة ليست عربية محدثة، ويلاحظ أن لفظي «قرطاجنة» و«قرطجنة» كانا متداولين قبل قدوم المسلمين واستقرارهم في إفريقيا.

- بعث عبد الملك حسان بن النعمان في عساكر المسلمين، فاسترجعوا القيروان وقرطاجنة وإفريقيا.

- خصص الحميري صاحب «الروض المعطار في خير الأقطار» فصلاً طويلاً عن قرطاجنة نقله كله عن البكري والإدريسي.

- كثير من المصادر تؤكد علاقة قرطاجنة ببلدان وشعوب حذقت مهنة البناء واشتهرت بالكثير من العمائر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"