ميزات روسيا فريدة

21:57 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

الصمود الروسي كبير ومدهش في وجه عقوبات غربية قاسية، طُبّق أقل منها على دول أخرى وكان تأثيرها كبيراً. ما هي الميزات التي تتمتع بها روسيا للمواجهة؟ لا شك أن السياسات الروسية الداخلية خففت الخسائر، منها القيود على رؤوس الأموال المغادرة التي حدت من النزف المالي القاتل. كما قرر المصرف المركزي تحريك الفوائد كحافز لإبقاء رؤوس الأموال في الداخل. كانت سياسة الاحتياطي النقدي الحاجز الأساسي في وجه الانهيار، حيث فاق الاحتياطي ال600 مليار دولار في بداية 2022 مع بداية الحرب.

على الرغم من هذا الغنى الكبير، تأثر الاقتصاد الروسي سلباً عبر وقف الاستثمار الأجنبي المباشر ومنع التكنولوجيا الحديثة عن الصناعة الروسية. سيتأثر الاقتصاد الروسي مستقبلاً أكثر مع انخفاض البحث والتطوير الذي يسبب النمو. أما الخسارة الأكبر فهي استمرار نزوح وربما هجرة آلاف المتخصصين الروس في التكنولوجيا الذين اختاروا الدول المجاورة للعمل فيها دولياً، ومنها تركيا.

حجم الاقتصاد الروسي كبير، حيث بلغ 1,9 ألف مليار دولار في بداية الحرب. الخسائر مهمة حتى اليوم لكنها تبقى دون حجم الاقتصاد. أما حجم الاقتصاد الأوكراني فكان 200 مليار دولار أي أصغر بكثير، علماً أن خسائره أكبر لأن المعارك تجري على أرضه. تتم الحرب إذاً بين قوتين بحجمين مختلفين، وبالتالي النتيجة مبدئياً محسومة إلا إذا ارتفعت المساعدات العسكرية والمادية الغربية إلى حدود غير متوقعة.

لا يتوقف الصمود الأوكراني على السلاح والعسكر، بل يحتاج إلى المساعدات المتنوعة الكافية خلال الحرب وبعدها، كي يتم تأمين استمراره وترتفع المعنويات. لا يمكن ربح أي حرب بالعسكر فقط، بل المطلوب أيضاً المال والدعم في السلع والخدمات والتكنولوجيا وغيرها. أوكرانيا تطلب الدخول إلى الوحدة الأوروبية، علماً أنها لم تستوف بعد الشروط المطلوبة من قانونية ومؤسساتية وقضائية وغيرها. دخول دول أوروبا الشرقية إلى الوحدة الأوروبية أخذ أكثر من 30 سنة وكلف مليارات الدولارات كي تصل تلك الدول إلى مستوى التنمية المطلوب. عملية الانضمام إلى الوحدة هي في غاية الصعوبة.

تغيرت العلاقات الروسية التجارية الدولية مؤخراً، حيث تحولت نحو الدول التي لم تعادها. انحدرت العلاقات التجارية مع الغرب بسبب السياسة والمواجهات المختلفة، لكن العلاقات مع آسيا ازدهرت، بل عوّضت عن الخسارة مع الغرب. هنالك أيضاً التأثير الاقتصادي المتزايد للدول غير المنحازة، أي التي لم تشارك في العقوبات الغربية، وفي مقدمها مجموعة البريكس أو تحديداً الصين والهند. من المتوقع أن تنمو تلك الدول بقوة هذه السنة تبعاً لصندوق النقد الدولي أي 4,6% للصين، 6,5% للهند، 2,6% لروسيا، 1,7% للبرازيل و1% لدولة إفريقيا الجنوبية. هذا مقارنة ب 1,5% للدول الصناعية بينها 2,1% للولايات المتحدة و0,9% للوحدة الأوروبية. أوضاع الاقتصاد الروسي هي ربما أفضل من تلك التي تعاني التضخم والطاقة والأوضاع الاجتماعية الخطرة. أحسنت روسيا في الاستفادة من علاقاتها الدولية المتنوعة، وستبني عليها لتطوير اقتصادها.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"