80 عاماً على «بريتون وودز»

22:01 مساء
قراءة 4 دقائق

سيلا بازرباشي أوغلو *

على مدى 80 عاماً، ومنذ انعقاد جلسته التأسيسية في غابات بريتون في نيوهامبشير بالولايات المتحدة الأمريكية وحتى اليوم، تتلخص مهمة صندوق النقد الدولي في تعزيز التعاون النقدي، وتسهيل التجارة الدولية لدعم النمو الاقتصادي المستدام والتوظيف، وبالتالي استقرار النظام النقدي العالمي ومعالجة الصعوبات في ميزان مدفوعات الدول الأعضاء.

والمبدأ الأساسي لعمل هذه المؤسسة هو مساعدة أعضائها على التغلب على مشاكل مديونياتهم دون اللجوء إلى التدابير التي تهدد رخاءهم. وهكذا تطورت أهدافنا في صندوق النقد على مر السنين طبقاً للتحولات التي شهدها، ولا يزال، الاقتصاد العالمي منذ عام 1944.

وفيما يتعلق بالمراقبة على سبيل المثال، أكدنا بقوة الروابط المالية الكلية في أعقاب الأزمة المالية العالمية. وفي وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، كان لزاماً على صندوق النقد الدولي أن يصبح أكثر اهتماماً بالسياسات المحلية وما يترتب عليها من آثار غير مباشرة.

وبخصوص الإقراض، عمل الصندوق على تحسين مجموعة أدوات الإقراض الخاصة به. فبعد انهيار أسعار السلع الأساسية العالمية أوائل الثمانينات، واجهت العديد من البلدان النامية ذات الدخل المنخفض، وخاصة في إفريقيا، صعوبات مختلفة. واستجابة لذلك، أسسنا مرفق التكيف الهيكلي المعزز عام 1987، وهو برنامج مصمم خصيصاً لمساعدة بلدان العالم الأكثر فقراً على زيادة معدلات نموها الاقتصادي عبر قروض منخفضة الفائدة. وفي وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، قمنا بتقديم ترتيبات احترازية، مع إدراكنا للأسباب المختلفة التي تؤدي إلى مشاكل ميزان المدفوعات بين مجموعات مختلفة من البلدان، كما أكدنا دمج المزيد من القضايا السياسية الهيكلية في برامجنا الداخلية الأساسية.

واعتماداً على الخصائص المرتبطة بكل بلد، يمكن أن تمتد الأهمية القصوى للاقتصاد الكلي إلى مجموعة واسعة من القضايا مثل تغير المناخ، وعدم المساواة، والتطورات الرقمية، والتحولات الديمغرافية. ولذا، نعمل على تكييف نصائحنا المتعلقة بالسياسات وبرامج الإقراض والمساعدة الفنية لتقديم الدعم الأفضل للدول الأعضاء.

وفي هذا الصدد، يركز عملنا التحليلي بشأن المناخ على طرائق تحفيز إزالة الكربون، والتي يمكن تنفيذها من خلال مزيج من أدوات تسعير الكربون، والضرائب، وخطط تداول الانبعاثات، والإعانات، أو حتى اللوائح التنظيمية. ومن خلال دعمنا لتحليلات مخاطر المناخ والإشراف عليها، نهدف إلى تطوير قدرة القطاع المالي لدى الأعضاء على مواجهة مخاطر المناخ. وبالتعاون مع الشركاء، نساعدهم أيضاً على تعزيز أسواق رأس المال المحلية وتوسيع نطاق التمويل الخاص للمناخ.

وفي بيئة أكثر عرضة للصدمات ووسط مخاطر عالمية جديدة ومتطورة، يتعين على صندوق النقد الدولي أن يتطلع إلى المستقبل وأن يتكيف مع التحديات السياسية الناشئة. وعلينا أن نسعى جاهدين لمساعدة الدول على بناء قدرتها على الصمود في مواجهة التحولات البنيوية التي قد تكون مدمرة فيما بقضايا المناخ، والتركيبة السكانية، والتكنولوجيا، والجغرافيا السياسية، وذلك بالتنسيق مع المؤسسات الأممية الأخرى. ولكي يتمكن صندوق النقد من الوفاء بتعهداته، عليه أن يتمتع بموارد جيدة ويحافظ على قوته المالية، مع مواصلة تعزيز جهود المراقبة وتنمية القدرات.

اليوم، وبعد عقود من التكامل الاقتصادي العالمي المتزايد، يواجه صندوق النقد الدولي موجة من التدابير السياسية التي تعرض العالم لخطر التفتت. حيث يؤدي استمرار ارتفاع معدلات التضخم وتباطؤ النمو إلى تفاقم هذه البيئة الاقتصادية العالمية الملأى بالتحديات.

وهناك دلائل تشير إلى أن التجزئة العالمية آخذة في التزايد. فعلى سبيل المثال، ارتفع عدد الحواجز التجارية الجديدة التي تم تقديمها في عام 2023 بنحو ثلاث مرات عما كان عليه في عام 2019. فالسياسات الصناعية المدفوعة بالمخاوف الجيوسياسية ترتفع، في وقت تعيد فيه البلدان توجيه التجارة نحو نظيراتها الأقرب «سياسياً». واعتماداً على قدرة الاقتصادات على التكيف، فإن الخسائر الناجمة عن التفتت قد تكون مرتفعة.

وبعد فترة طويلة من انخفاض التضخم العالمي، شهد عام 2022 أكبر زيادة عالمية في الأسعار منذ أكثر من 20 عاماً. وفي حين أن التضخم الرئيسي ينخفض بشكل مطّرد، مع تراجع الاضطرابات في سلسلة التوريد وانخفاض أسعار السلع الأساسية، فمن المتوقع عموماً أن ينخفض التضخم الأساسي العالمي بشكل تدريجي. وستكون إدارة توقعات التضخم على المدى القريب من خلال التواصل الفعال وتحسين أطر السياسة النقدية أمراً مهماً لتحقيق الهبوط الناعم للاقتصاد. وسيكون تعزيز سلاسل التوريد المتنوعة وتجنب استراتيجيات الحماية القائمة على إفقار الجار أيضاً عنصراً فاعلاً في إدارة صدمات العرض في المستقبل.

من ناحية أخرى، تتطلب الاستجابة بفاعلية للتحديات العالمية الناشئة تعاوناً دولياً أقوى. ويعمل صندوق النقد الدولي على الحفاظ على التعاون العالمي وتعميقه من خلال ملاحقة التقدم المستهدف حيثما توجد أرضية مشتركة، مع الحفاظ على التعاون في المجالات التي يكون فيها التقاعس عن العمل مدمراً لأعضائه. ويفعل الصندوق ذلك من خلال المراقبة الصارمة وتقديم المشورة السياسية المتسقة والمنصفة لأعضائه، بما في ذلك تحليل التأثيرات غير المباشرة الناجمة عن الإجراءات الأحادية، والدعوة المستمرة إلى انتهاج سياسات تجارية مفتوحة ومستقرة وشفافة للتصدي للتفتت.

ومن بين المجالات التي نعمل فيها على تعزيز التعاون والتعددية العملية إعادة هيكلة الديون السيادية. ومن أجل ذلك، أطلقنا العام الماضي، بالتعاون مع الهند، المائدة المستديرة العالمية للديون السيادية، التي تجمع بين الدائنين، من القطاعين العام والخاص، والمقترضين، لتسريع حالات إعادة الهيكلة، بما في ذلك تلك الواردة في الإطار المشترك لمجموعة العشرين.

* مديرة إدارة الاستراتيجية والسياسات والمراجعة في صندوق النقد الدولي. (أورواسيا ريفيو)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdzeu66v

عن الكاتب

مديرة إدارة الاستراتيجية والسياسات والمراجعة في صندوق النقد الدولي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"