عادي
تتوقعها واشنطن.. ويرسمها «البنتاجون» لمواجهة أي غزو

5 سيناريوهات أمريكية للدفاع عن تايوان

00:10 صباحا
قراءة 9 دقائق
الدفاعا ت الساح لية جزء من خبر ة التاي وانيين في الدف اع عن س احل الج زيرة من ذ الغزو الفرنس ي الفاش ل منذ ن حو 140 عاما
جزء من الم ناورات الص ينية حول ت ايوان
تدريبات ت ايوانية ع لى مدار ا لساعة
الدفاع في الشواطىء الحمراء ج ز رئيسي في استراتيج ية تايوان للدفاع عن نفسها
الرئيس شي جيت بينج دا ئما وسط القوات المسلح ة الصينية

د. أيمن سمير

الجيش التايواني يشتبك مع نظيره الصيني على «الشواطئ الحمراء»، الطائرات الصينية تقصف تايبيه ب 2000 صاروخ، الأسطول الصيني وحاملات الطائرات الصينية الثلاث فوجيان ولياولينج وشاندونج تقترب من البر التايواني، الدفاعات الجوية التايوانية تعمل بكفاءة لكن كثافة الصواريخ الصينية تصيب الكثير من الأهداف في تايوان، الملاحة تتوقف في بحر الصين الجنوبي، سلاسل الإمداد في شرق آسيا وخليج ملقا تتعثر بالكامل، القوات الأمريكية في اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام والفلبين واستراليا تهاجم الجيش الصيني، العالم على شفا حرب عالمية جديدة.

هذه هي أبرز السيناريوهات التي تتوقعها واشنطن، ويرسمها الجيش ووزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» لاستعادة الصين لجزيرة تايوان بالقوة، وهي الجزيرة التي تمردت على«التنين» وخرجت عن «بيت الطاعة الصيني» منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية التي انتهت بانتصار«حكومة الصين الشعبية» على «حكومة الصين الوطنية» عام 1949.

يساعد في رسم هذه السيناريوهات الأمريكية، التصريحات الصينية التي تؤكد عزم الصين على استعادة تايوان «بكل الوسائل» وهو ما يعني إمكانية استعادتها «بالوسائل العسكرية»، كما تستوحي واشنطن تلك السيناريوهات لغزو الصيني لتايوان من أشكال ومسارات «المناورات» التي ينفذها الجيش الصيني على مدار الساعة حول تايوان سواء قرب محيطها الجوي، أو على مشارف مياهها الإقليمية خاصة تلك المناطيد الصينية التي يشاهدها كل تايواني على مرمى البصر، ورغم تأكيد الرئيس الصيني شي جين بينج بأن «أولوية بلاده» هي استعادة تايوان «بالدبلوماسية والحوار» وليس بقوة النيران الصينية التي تكتسب زخم وقوة كل يوم، لكن «المشاعر القومية» تزداد على جانبي «مضيق فورموزا» الذي يفصل البر الصيني العملاق عن جزيرة تايوان التي تصل مساحتها لنحو 37 ألف كلم، ويسكنها نحو 25 مليون نسمة ينتجون سنوياً نحو 780 مليار دولار، فهناك قطاع كبير من الشعب الصيني يرى أن الفرصة مثالية في الفترة من 2025 حتى 2027 لاستعادة تايوان في ظل انشغال الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بدعم أوكرانيا وإسرائيل.

وفي تايبيه صب فوز الرئيس التايواني الجديد لا تشينج تي، والمؤيد بقوة للانفصال عن الصين، صب مزيداً من الزيت على نار الخلافات الصينية التايوانية، فكيف وصل الصراع الصيني التايواني إلى تلك المرحلة الحرجة التي يغلب فيها الحديث عن القوة أكثر بكثير من السعي لحلول دبلوماسية وسياسية ؟ وهل تستطيع الصين أن تستعيد تايوان بسهولة أم أنها يمكن أن تتعثر على غرار السيناريو الروسي في أوكرانيا ؟ وما هي خيارات واشنطن وتحالفاتها في آسيا «أكوس» «وكواد» و«الناتو» لمنع الصين من استعادة تايوان بالقوة ؟ وإلى أي مدى يمكن أن تكون هذه الخطوة الصينية حال حدوثها بداية لحرب شاملة بين واشنطن وبكين ؟

  • جذور الصراع

يعود الصراع بين تايوان والصين إلى فترة ما بعد رحيل الاحتلال الهولندي عن تايوان عام 1661، فبعد رحيل الهولنديين عن تايوان وسيطرة عائلة تشينج الصينية على مقاليد الحكم في الصين بدأت السيطرة الصينية على تايوان منذ عام 1683 وحتى نهاية عصر عائلة تشينج عام 1895، وكان غالبية سكان الجزيرة من الصينين الذين هاجروا من مقاطعات مثل فوجيان، وجوانجدونج إلى أن سيطرت اليابان على تايوان بعد الحرب اليابانية الصينية عام 1895، لكن هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية ومساعدة الصين للحلفاء خلال تلك الحرب ساعد في عودة الصين مرة أخرى لحكم تايوان بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، وبدأت المشكلة الحالية بين تايوان والصين عام 1949 عندما اندلعت الحرب الأهلية الصينية وفازت فيها «حكومة الصين الشعبية» بزعامة ماوتسي تونج على الحكومة التي كانت تحكم الصين قبل اندلاع الحرب الأهلية، والتي كان يطلق عليها «حكومة الصين الوطنية» بزعامة تشيانج كاي شيك، أو «حكومة» الكومينتانج «التي فرت من الصين إلى تايوان، وظلت« حكومة الصين الوطنية » التي مقرها تايوان تمثل الصين في الأمم المتحدة حتى صدور قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1971 الذي اعترف بحكومة «الصين الشعبية» التي مقرها بكين بدلاً من حكومة تايبيه لتمثل الشعب الصيني، ولم تعترف الولايات المتحدة بحكومة ماو تسي تونج إلا في عهد الرئيس جيمي كارتر عام 1979 رغم أن الرئيس ريتشارد نيكسون قام بزيارة للصين في فبراير عام 1972، وتحسنت العلاقة بين بكين وتايبيه عندما طرحت الصين صيغة «دولة واحدة ونظامان»، تمنح الصين بموجبها تايوان استقلالية كبيرة إذا قبلت إعادة التوحيد مع البر الصيني، وفي عام 1991 أعلنت تايبيه انتهاء الحرب مع الصين، لكن صدور «قانون مناهضة الانفصال» الذي صدر عام 2004، والذي يسمح للصين باستخدام «الوسائل غير السلمية» لاستعادة تايوان إذا حاولت «الانفصال» عن البر الصيني، أعاد هذا القانون التوتر من جديد بين تايوان والصين، وبات اليوم مضمون «قانون مناهضة الانفصال» يسيطر على أحاديث الصينيين لاستعادة تايوان، وإجهاض الأهداف الأمريكية والغربية في جزيرة تايوان، ورغم وجود نحو «مليون تايواني» في الصين، واستثمار تايوان لأكثر من 650 مليار دولار في الصين إلا أن التوتر زاد بشكل غير مسبوق بين الطرفين خاصة بعد زيارة نانسي بيلوسي الرئيسة السابقة لمجلس النواب الأمريكي لتايوان في 2 أغسطس عام 2022.

  • أدوات صينية

تعهدت القيادة الصينية في أكثر من مناسبة بمنع «استقلال تايوان»، وتقول واشنطن إنها رصدت إشارات لإمكانية استعادة تايوان بالقوة الصينية، وتتحدث وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» عن مجموعة من الإشارات وهي:

1-«رسائل المناورات والمناطيد»، وهي رسائل تكاد تكون دورية ومستمرة عبر سلسلة من المناورات المجدولة على مدار العام، أو تلك المناورات التي تكون رداً على زيارة مسؤولين أمريكيين لتايوان، فعندما فاز الرئيس التايواني الجديد لا تشينج تي، حلقت 6 مناطيد صينية، كما اكتشفت تايوان وجود 6 سفن و18 طائرة حربية تدور حول الجزيرة، وكثيراً ما تتحدث تايوان عن اختراق السفن والطائرات العسكرية الصينية للمنطقة الفاصلة بين الطرفين، وهي رسائل تتوافق مع ما يعلنه الجيش الصيني بشكل دائم بأن «تايوان لن تصبح دولة أبداً»، وأنه مستعد تماماً للحرب للدفاع عن وحدة الصين مع تايوان.

2- نشر نحو 2000 صاروخ بالستي هدفهم شل الدفاعات التايوانية حال اندلاع الحرب، وتعتمد الصين بشكل رئيسي على صواريخ «إف دي 111» و« إف دي 115 »، وهو ما يشير إلى أن أي سيناريو لغزو الصين سوف يبدأ بإطلاق هذه الصواريخ على دفعات كبيرة بحيث يمكن تحييد الدفاع الجوي التايواني، وإعطاء مزيد من الحرية لسلاح الجو الصيني، لتوفير غطاء للقوات البحرية الصينية لنقل الجنود عبر المضيق من الصين إلى تايوان، ووصف البنتاجون هذا السيناريو القائم على شل الدفاعات التايوانية عن طريق الصواريخ البالستية بأنه «سيناريو واقعي تماماً»، ورغم الاستثمارات التايوانية الضخمة في مجال الدفاع الجوي، وشراء أحدث النظم من الولايات المتحدة والغرب، وهو 4- «زيادة الإنفاق العسكري الصيني»، فوفق بيانات الميزانية العامة الصينية لعام 2024 -2025، نجد أن الإنفاق الدفاعي الصيني سوف يزيد هذا العام بنسبة 7.2 % ليصل حجم الإنفاق لنحو 1.6 تريليون يوان، أي نحو 222 مليار دولار، وأكد هذا المعنى لي تشيانج رئيس مجلس الوزراء الصيني في افتتاح الاجتماع التشريعي السنوي في بكين عندما قال«سنقدم ضمانات مالية للجهود المبذولة لتحديث دفاعنا الوطني، وقواتنا المسلحة على جميع الجبهات، وتوطيد وتعزيز الاستراتيجيات الوطنية المتكاملة والقدرات الاستراتيجية، وأن الحكومة عازمة على تجهيز الجيش للقتال، وأن القوات المسلحة ستعزز التدريب العسكري الشامل والاستعداد القتالي».

5- «تسريع إنتاج أسلحة صينية منافسة للغرب»، فالأهداف الصينية لا تتوقف فقط عند هدف التفوق على ما لدى تايوان من أسلحة وذخائر متقدمة، بل تنافس الصين بقوة الأسلحة الغربية، وخاصة الأمريكية، لأنها تدرك أن الجيش الأمريكي وبعض دول الجوار يمكن أن تدخل الحرب ضد الصين حال محاولة التنين الصيني السيطرة بالقوة على جزيرة تايوان، فعلى سبيل المثال تسارعت وتيرة تسليم طائرة الجيل الخامس الصينية لألوية الجيش الصيني، وخاصة طائرة « جي 20» التي بدأ إنتاجها منذ عام 2021، وسوف يصل معدل الإنتاج لهذه الطائرة لنحو 125 طائرة في عام 2025، وبنهاية عام 2022 تسلمت 8 ألوية صينية طائرة «جي 20»، وبالمعدلات الجديدة يمكن لأكثر من 30 لواء في الجيش الصيني أن يحصلوا على حاجتهم من هذه الطائرة بحلول عام 2030.

  • حسابات الرد الأمريكي

تتوقع الحسابات الأمريكية أنه سيكون هناك فوضى عارمة في الولايات المتحدة بداية من شهر نوفمبر القادم وحتى 20 يناير 2025 موعد بدء الولاية الجديدة للرئيس الأمريكي القادم سواء كان جو بايدن أو دونالد ترامب، وأن هذه الفوضى يمكن أن تزيد حدتها في حال إعلان فوز بايدن وخسارة ترامب، مما قد يدفع أنصار ترامب لتكرار ما حدث في 6 يناير 2021 خاصة أن ترامب تعهد بالإفراج عن المدانيين في أحداث 6 يناير 2021، هذا المشهد الفوضوي تخشاه واشنطن، وترى أن الصين يمكن أن تستغل حالة «عدم اليقين» السياسي والأمني والعسكري في الولايات المتحدة لغزو تايوان في هذا التوقيت، ولهذا استعدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الآسيويون لسيناريو استعادة الصين لتايوان بالقوة عبر مجموعة من السيناريوهات وهي:

  • أولاً: السيناريو الأوكراني:

ويقوم على إرسال مزيد من السلاح النوعي لتايوان حتى تستطيع أن تعرقل الجيش الصيني لأطول فترة ممكنة، وبعدها يمكن أن تتحول الحرب إلى حرب استنزاف للجيش الصيني على غرار استمرار الحرب لأكثر من عامين في أوكرانيا، وتعتقد واشنطن أنه لو صمدت تايوان 6 أسابيع ولم تسقط خلال ال 40 يوماً الأولى فإن معنويات التايوانيين سوف تشبه معنويات الأوكرانيين في العام الأول من الحرب عندما أعادوا الجيش الروسي إلى شرق أوكرانيا، ووصلوا إلى الحدود الدولية في الشمال الشرقي واستعادوا «منطقة خاركوف بالكامل» في سبتمبر 2022، ويركز هذا السيناريو على « الشواطئ الحمراء»، وهي المناطق الساحلية التي يتوقع أن تحاول السفن البحرية الصينية أن تقترب منها لإرسال العناصر البرية، ولهذا تعمل تايوان على نشر معدات عسكرية متقدمة مثل المسيّرات والدبابات الثقيلة على«الشواطئ الحمراء» ال15 التي يمكن أن يقوم الجيش الصيني بالإنزال فيها.

  • ثانياً: السيناريو الفرنسي:

ويقوم على دراسة عوامل فشل الغزوات التاريخية إلى تايوان، ومنها فشل«الغزو الفرنسي» لتايوان عام 1884، والذي بدأ من شمال تايوان عند منطقة « تامسوي» وبعد مرور نحو 140 عاماً على هذا الغزو تحاول الولايات المتحدة الاستفادة من البيئة الجيوسياسية التي قادت لهذا الفشل رغم أن الكثيرين يقولون إنه لا يمكن مقارنة الهجوم الفرنسي عام 1884 وخطوط إمداده البعيدة بدولة بحجم الصين، والجيش الصيني الذي يقع على الجانب الآخر من الجزيرة، وتملك الصين خطوط إمداد هائلة.

  • ثالثاً: «سيناريو القنفذ»

ويعترف هذا السيناريو بالتفوق الكبير للجيش الصيني على نظيره التايواني، ولهذا يعتمد هذا السيناريو على خلق«أشواك عسكرية» تمنع تقدم الجيش الصيني، ومن هذه الأشواك مهاجمة السفن الصينية قبل أن تصل للبر التايواني، كما يعتمد هذا السيناريو على نشر قاذفات الصواريخ بما فيها صواريخ «ستنجر» المحمولة على الكتف، والتي تعمل ضد الطائرات، واستخدام أنظمة الدفاع الجوية للمدى المتوسط مثل «باتريوت» على طول الساحل الغربي لتايوان، وذلك بهدف أن يعمل كل هذا مثل دور«عباءة الأشواك» التي يدافع بها القنفذ عن نفسه عندما يواجه حيواناً أقوى منه.

  • رابعاً: «سيناريو الحصار وليس الغزو»

ويفترض هذا السيناريو أن الصين لن تستطيع استعادة تايوان بالقوة، لكنها فقط يمكن أن تفرض«حصاراً بحرياً» عن طريق «خفر السواحل»، ويفترض هذا السيناريو أيضاً أن الجيش الصيني سوف يفشل في تنفيذ «هبوط برمائي» الذي يحتاج إلى حرب جوية معقدة، وفي حال عدم فرض سيادة جوية صينية على تايوان سيكون من الصعب تنفيذ «الإنزال البرمائي» وفق هذا السيناريو.

  • خامساً: «سيناريو الاستعانة بالأصدقاء»

ويقوم على تدخل الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين بشكل مباشر في الصراع، وعدم الاكتفاء بالسيناريو الأوكراني عبر دعم تايوان بالسلاح، وتتفق كل التقديرات الأمريكية واليابانية أن التدخل الأمريكي الياباني سينجح في وقف استعادة الصين لتايوان بالقوة المسلحة، لكن التكلفة الأمريكية واليابانية سوف تكون باهظة للغاية، فوفق مناورة «على المنضدة» نفذتها وكالة ساساكاوا للسلام اليابانية، فإن اليابان والولايات المتحدة سينجحان في وقف أي عملية عسكرية صينية ضد تايوان إذا ما بدأت الحرب عام 2026، ووقتها سوف يستخدم الجيش الأمريكي حاملات الطائرات التي تعمل بالطاقة النووية، وأن الولايات المتحدة سوف تستخدم القواعد الأمريكية في اليابان خاصة قواعد أوكيناوا وكيوشو لمهاجمة الجيش الصيني، وأن اليابان يمكن أن تفقد نحو 144 طائرة مقاتلة، وتتوقع وكالة ساساكاوا للسلام اليابانية أن تفقد الصين نحو 156 سفينة حربية، بما في ذلك حاملتان للطائرات، إلى جانب 168 طائرة مقاتلة و48 طائرة نقل عسكرية، وقتل أو جرح أكثر من 40 ألف جندي صيني، على الجانب التايواني هناك توقعات بخسارة نحو 13 ألف جندي، وفقد 18 سفينة حربية و200 طائرة حربية، بينما بلغت الخسائر الأمريكية وفق هذا السيناريو نحو 10 آلاف، مع خسارة 19 سفينة و400 طائرة حربية.

المؤكد أن حجم الخسائر التي تتحدث عنها كل السيناريوهات لدى جميع الأطراف تؤكد من جديد أن أفضل طريق لحل الصراعات والخلافات هي طاولة المفاوضات والحوار وليس لغة الصواريخ وحاملات الطائرات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"