عادي
مدن تكتب التاريخ

«القيروان»... منارة العلوم

00:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
صورتان لمسجد عقبة بن نافع من الداخل والخارج

الشارقة: علاء الدين محمود

تعد القيروان في الوقت الراهن إحدى أهم المدن في دولة تونس في المغرب العربي، ودرة من درر التراث هناك، وهي تلك المدينة الأخاذة المدهشة التي تخفي كثيراً من الأسرار من عصور قديمة، وهي كذلك بقعة شاهدة على كثير من السير والمتغيرات، ولا تكاد تذكر تلك المدينة إلا وتتفلت قلوب المسلمين إلى أزمنة وعصور مضت كانت للحضارة الإسلامية السيادة فيها على مستوى العالم، ومازال هذا المكان الودود الطيب بطيبة أهله وعبق تاريخه العظيم، يحتفظ بآثار تلك الحقبة الرائعة من فترات تمدد الإسلام إلى كل العالم.

تعد القيروان، واحدة من أهم وأشهر حواضر الإسلام في المغرب العربي وإفريقيا في العصر الوسيط، وكانت في ذلك الوقت المهم بمنزلة قاعدة انطلاق انتشار الإسلام في بلاد المغرب وتمكينه في تلك المنطقة، وقد اعتبرت النواة الأولى لولاية إسلامية في القارة الإفريقية، ولئن كانت قد مثلت المدد العسكري خلال مرحلة الفتوحات، فهي لم تكتف فقط بهذا الجانب المهم؛ بل كانت أيضاً صاحبة دور ريادي وحضاري في مجال العلوم، فقد صارت منارة إسلامية علمية كبيرة، فهي من أهم البقاع في مجال تعليم القرآن واللغة العربية للطلاب الذين وفدوا إليها من مختلف الجهات، الأمر الذي عمق من حجم الحراك المعرفي والعلمي في بلاد المغرب في ذلك الوقت، فكانت لها تأثيراتها الثقافية الكبيرة، وقد اتضح ذلك الأمر وترسخ من خلال حركة انتقال العلوم والمؤلفات عن طريق الرحلات العلمية إلى بلاد المغرب، كما توافد إليها الطلاب من أنحاء عدة مثل الأندلس، وصقلية لأخذ العلم عن مشاهير علماء القيروان في مختلف صنوف المعرفة، ما أدى إلى ازدهار الحياة العلمية في بلاد الغرب الإسلامي.

  • معالم حضارية

تحتفظ القيروان في ذاكرتها بالكثير من السير والقصص والبطولات والأمجاد والمشاهد التي توثق لحقبة مهمة من تاريخ الحضارة الإسلامية، ودائماً ما يذكر في هذا السياق القائد الإسلامي عقبة بن نافع، ذلك التابعي وأبرز القادة المسلمين في عهد الخلافة الراشدة ثم الدولة الأموية، ووالي إفريقية مرتين «47–55ه» و «62-63ه» في عهدي معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية، حيث لقب بفاتح إفريقيا، وقام ببناء أكبر مسجد في القيروان اسمه «مسجد عقبة بن نافع»، 670 ميلادي وهو أول مسجد ببلاد المغرب العربي، فهو من خطط وأسس تلك المدينة سنة 50 هجرية لتكون منطلقاً لجيوشه للشمال الإفريقي، حيث يعد المسجد من المعالم الإسلامية والحضارية البارزة في المدينة بمئذنته الرائعة وساحته الفسيحة، و صار بحق رمز مدينة القيروان.

  • تأثير

وتعد القيروان من الحواضر والمدن المهمة في المتوسط فقد بلغ تأثيرها حدود صقلية المسلمة وجزءاً كبيراً من المغرب العربي، وحافظت على معالم كثيرة تعود إلى هذا العصر في تلك الحقبة المهمة من التاريخ الإسلامي الذهبي، وقد تطورت على يد «الأغالبة» الذين حكموا بدءاً من عام 800 باسم الخليفة العباسي، حيث جعلوا من القيروان عاصمة لملكهم على إفريقية، وتحت حكم الأغالبة تم إعادة بناء مسجد عقبة بن نافع ومسجد الأبواب الثلاثة المتميز بواجهته المزركشة بالخط العربي.

حملت القيروان لقب مدينة ال300 مسجد، وهي لا تزال تحتفظ بهويتها الإسلامية ومكانتها الحضارية في وقتنا الراهن.

  • شخصيات

ازدهرت في القيروان العلوم والثقافة، وأنشئت فيها المكتبات العامة وتضم نفائس أمهات الكتب والمخطوطات، ومن أشهر مكتباتها «بيت الحكمة»، التي أنشأها الأمير إبراهيم الثاني الأغلبي «261 - 289ه / 875 – 902م»، كمحاكاة لبيت الحكمة الذي أسسه هارون الرشيد في بغداد، كما ظهرت الكثير من الشخصيات في مختلف مجالات الأدب والدين والعلوم من أبرزهم الناقد ابن رشيق، والأديب ابن شرف، وعالم الطب ابن الجزار، والشاعر ابن القزاز، والرياضي أبو اليسر إبراهيم الشيباني وغيرهم كثر، ومازالت القيروان تنجب في كل مرة أعلاماً وشخصيات في كافة المجالات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/224annen

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"