الليرة والمأزق الاقتصادي

22:31 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة*

الاقتصاد اللبناني ضعيف، والليرة تعاني. مشاكل لبنان ليست اقتصادية فقط، بل أخطرها سياسية أمنية اجتماعية، تنعكس سلباً على الاقتصاد. ماذا يجري اليوم، ولماذا تتعمق المشاكل، وتتراكم السلبيات؟

سياسة الأجور أولاً، حيث يتركز الضغط الشعبي المبرر على رفعها، إضافة إلى زيادة المنافع كي يستطيع الإنسان العيش بكرامة. تكمن المشكلة في أنه في غياب العرض، أي النمو، تنعكس هذه الزيادات ارتفاعاً في مؤشر الأسعار يأكل الزيادات، ويعيدنا إلى الوراء. فالمشكلة هي واحدة ذات حدّين، أي نخسر إذا رفعنا الأجور والمنافع، ونخسر أيضاً إذا لم نفعل ذلك. لا يمكن لصاحب الأجر أن يحسّن وضعه المعيشي في ظروف سوداء كالتي نعيش فيها. من المنطقي أن يتوجه الضغط الشعبي نحو حل المشاكل السياسية، وفي مقدمها انتخاب رئيس للجمهورية بالطريقة الديمقراطية التي نصّ عليها الدستور.

سياسة الضرائب غير منطقية إذ نرفع النسب في ظروف انهيار أو سقوط. بسبب شلل الحركة الاقتصادية والإدارية، لن تنجح الجباية، وبالتالي تقضي الزيادات الضرائبية من جمرك وغيرها، على ما تبقى من حركة صحية. تحصيل الضرائب الحالية على الشركات المربحة مهم جداً للمال، والعدالة، ويجب ألا تتهاون وزارة المال فيه. أما تحصيل رسوم الخدمات من كهرباء وماء وهاتف، فيجب أن يكون أسرع كي تستمر، فلا حياة عصرية من دونها.

المطلوب تعديل سياسة الإنفاق العام، إذ يجب ترشيدها وليس وقفها. من الأمثلة السهلة الإنفاق على صيانة الطرق وتحسين ظروف استقبال المسافرين، من والى المطار، وإضاءة بعض الطرق الأساسية. يجب أن يستمر أيضاً الإنفاق الاجتماعي الأساسي، من صحي وتعليمي، في المؤسسات الرسمية التي يظهر أننا سنتوجه إليها أكثر فأكثر بسبب الكلفة الباهظة المتزايدة لمختلف الأقساط الخاصة.

أما التسعير بالدولار في الأسواق، فمستمر وهذا يسهل مقارنة الأسعار بين الشركات المتنافسة. فالدفع بالليرة حق، وهذا سهل اليوم، مع استقرار سعر الصرف، آملين استمراره. أما السياسة النقدية فأخطأت كثيراً خلال العقود الفائتة، ولا بد من المحاسبة، لكن المشكلة العامة لم تعد نقدية، بل أكبر وأخطر، وبالتالي الحل لا يأتي منها. تخفف السياسة النقدية الأوجاع، لكنها لا تستطيع إنقاذ الاقتصاد المريض المتألم من إدارة سياسية سيئة، وفساد كبير، وسوء معاملة للمواطن في أبسط حقوقه المدنية.

لا ننسى المصارف والودائع، حيث ما زلنا ننتظر مشروع الإصلاح القطاعي الذي يعيد الثقة إلى المصارف. لكن الخط الأحمر الساطع هو الودائع نفسها، حيث لا يمكن المسّ بها، كبيرة كانت، أم صغيرة. فأي مسّ بالودائع يقتل دور لبنان المالي والمصرفي لعقود طويلة، ويؤذينا، بل أهم يؤذي لبنان المستقبل، والأجيال القادمة.

باختصار، الليرة ليس هي المشكلة، بل الضحية، إذ تتأثر سلباً بكل ما يجري من «جنون» في البلد. فلنضغط شعبياً لوقف الجنون، وتحمّل المسؤوليات. لا يمكن أن نستمر في معاقبة الضحايا في لبنان، بل نبدأ باعتماد المحاسبة القاسية العادلة حتى في وضعنا الحالي.
*كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/24t5wh86

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"