أزمة الضمير العالمي

00:15 صباحا
قراءة 4 دقائق

نبيل سالم

بداية لا بدّ من التأكيد على أن الضحايا الذين سقطوا في استهداف طائرات الاحتلال الإسرائيلي لسيارات تابعة لمؤسسة المطبخ المركزي العالمي، هم شهداء للواجب الإنساني والأخلاقي بغض النظر عن جنسياتهم ومرجعياتهم الدينية. فهؤلاء كان عنوان وجودهم الرئيسي في قطاع غزة هو تقديم المساعدة والغذاء لمئات الألوف من الجوعى، ومساعدتهم على البقاء، ومن هنا فإن ما يقدمونه يستحق الاعتراف بفضلهم وبالقيمة الأخلاقية والإنسانية لعملهم البطولي، الذي يدفع كل ذي ضمير إنساني أن يحزن لموتهم في أتون هذه المحرقة وعملية الإبادة الجماعية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.

وكان من الطبيعي جداً أن تتعالى الأصوات في جميع أنحاء العالم، مستنكرة هذه الجريمة التي تضاف إلى مئات الجرائم الإسرائيلية، ومن هنا دانت دولة الإمارات بأشدّ العبارات استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي فريق مؤسسة المطبخ المركزي العالمي - شريك دولة الإمارات في مبادرة أمالثيا لتعزيز الاستجابة الإنسانية المقدمة للمدنيين في شمال القطاع، محملة إسرائيل مسؤولية هذا التطور الخطير كاملة، ومطالبة بتحقيق عاجل ومستقل وشفاف بشأن ما حدث، ومعاقبة المتسببين في هذه الجريمة النكراء التي تعتبر انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي الإنساني.

وأثارت هذه الجريمة استنكاراً عالمياً واسعاً، حيث أعرب وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة مارتن غريفيث عن غضبه لمقتل عمال الإغاثة في غزة، مؤكداً أن الحادث «نتيجة حتمية للطريقة التي تدار بها هذه الحرب»، مضيفاً أن ما لا يقل عن 196 من العاملين في المجال الإنساني قتلوا في غزة..

فيما أكدت المقررة الأممية بالأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيكا ألبانيز إن «إسرائيل» تتجاوز كل الخطوط الحمراء وتفلت تماماً من العقاب.

وعلى الرغم من أن ردود الأفعال الدولية على هذه الجريمة الجديدة للاحتلال، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، شملت حتى الدول الغربية التي تتحالف مع إسرائيل إلا أن المؤسف أن المواقف الأوروبية والأمريكية، ظلت مواقف لفظية لا ترقى إلى مستوى الحدث، كما هي العادة إزاء كل الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، أي أنها لم تترجم إلى مواقف جدية لمعاقبة إسرائيل على جرائمها، وبالتالي فإن إفلات الاحتلال الإسرائيلي من العقاب، شكّل وعلى مدى سنوات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تشجيعاً لإسرائيل ولو بشكل غير مباشر للمضي في جرائمها، التي لم تقتصر على الشعب الفلسطيني، وإنما على المنظمات والهيئات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، حيث دشنت العصابات الإسرائيلية المسلحة الجرائم بحق المجتمع الدولي باغتيال الكونت فولك برنادوت في السابع عشر من سبتمبر من العام 1948، أي بعد أشهر فقط من قيام إسرائيل.

وكما هو معلوم اختير برنادوت بوصفه أول وسيط للأمم المتحدة في العام 1947، وكُلف من قبل مجلس الأمن الدولي «لوضع تسوية عادلة للصراع في فلسطين».

وفي 17 سبتمبر/ أيلول من العام 1948 تم اغتياله، بعد يوم واحد فقط من تقديم تقريره الذي يحمل توصيات، شددت إحداها ضرورة عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم.

وقد لا يتسع المجال هنا إلى تعداد الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الكثير من المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، والتي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، مجزرة قانا التي ارتكبتها قوات الاحتلال في مركز تابع لقوات الأمم المتحدة في18 إبريل(نيسان) 1996، خلال ما سمي بعملية «عناقيد الغضب» في لبنان والتي راح ضحيتها أكثر من مئة شخص في صفوف المدنيين آنذاك، وفي ذلك الوقت أجهضت الولايات المتحدة قراراً في مجلس الأمن الدولي يدين الجريمة.

أما في هذه الأيام حيث ترتكب المئات من المجازر بحق الشعب الفلسطيني، وتقوم إسرائيل بعمليات إبادة جماعية، فإن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، لا تلتزم الصمت أو إظهار المواقف الكلامية في أحسن الأحوال إزاء الجرائم الإسرائيلية فقط، وإنما تعمد أيضاً لإمداد إسرائيل بالسلاح، بدلاً من معاقبتها على هذه الجرائم.

وبالعودة إلى الجريمة الجديدة باستهداف السيارات التابعة لمؤسسة المطبخ المركزي العالمي، والتي اعترف جيش الاحتلال بارتكابها، فإنها ليست الجريمة الأولى وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، حيث استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي يفترض أن تكون محمية بموجب القانون الدولي، وقتلت العشرات من العاملين فيها، كما استهدفت المستشفيات وفرق الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني، مثلما استهدفت حتى الطواقم الصحفية، التي تنقل صور الجرائم الإسرائيلية، فاغتالت العشرات من الصحفيين، في حرب الإبادة التي حصدت حتى الآن أرواح أكثر من خمسة وثلاثين ألف مواطن فلسطيني جُلّهم من الأطفال والنساء.

وإزاء كل ما تقدم، يبدو من المؤكد أن جريمة اغتيال فريق مؤسسة المطبخ المركزي العالمي، محاولة لتخويف المنظمات الإنسانية التي قد تسعى لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهي لن تكون آخر الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي، وأنها كغيرها من الجرائم ستدخل في طيّ النسيان، ما لم تكن هناك عقوبات رادعة ومواقف دولية تخرج الضمير العالمي من سباته العميق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3hft8by4

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"