عادي

الصين.. تاريخ ملحمي بمذاق جغرافي

00:08 صباحا
قراءة 3 دقائق

عندما نتحدث عن التاريخ الصيني، لا يمكننا الاستغناء عن معرفة أصل الشعب الصيني، وجغرافية البلد، حيث كانا يتغيران ويتجددان في عمليات التطور التاريخي الطويلة. هكذا يستهل أحمد محمد الربيعي كتابه «قصة تاريخ الصين» موضحاً أنه إذا كنّا نرى الجغرافيا الصينية من منظور التحليل التاريخي، سنجد أن أراضي الصين لم تكن شاسعة في البداية، ولم تكن الثقافة الصينية عريقة كذلك، بل أخذتا في التوسع والتطور تدريجياً على مدى التاريخ الطويل.

إن ما نسميها «الصين اليوم» لم يكن بلداً ذا حدود واضحة، بل منطقة جغرافية طبيعية تغذي ثقافة الصين الأساسية في ظل تغيرات مستمرة. على الرغم من أن حدود هذه المنطقة تغيرت من حين لآخر، فإنه يمكننا تحديد نطاقها، وهي عبارة عن منطقة شاسعة في شرق آسيا: شمالاً إلى الصحراء المغولية، وجنوباً إلى البحر، وغرباً إلى جبال الهيمالايا على هضبة تشغنهاي – التبت، وشرقاً إلى المحيط الهادي، ويبدو الفضاء الجيومكاني في الصين فضاء مغلقاً إلى حد ما، إذ إن البحار تحيط بشرقها وجنوبها، والجبال تقف أمام غربها وشمالها، وتتنوع التضاريس في هذه المنطقة الشاسعة، فهناك سهول ومروج، وصحاري وجبال، وبحيرات وجزر، وتلال.

يرى المؤلف أنه لهذا تمتعت الصين بالعزلة نسبياً عن جيرانها، وهو ما أدى إلى التمسك بعاداتها وتقاليدها، وجعل كل الاختلافات تنصهر في بوتقة واحدة، وتجعلهم شعباً واحداً، ما دعاهم للنظر لكل شيء من حولهم بنظرة ذات معنى خاص بهم، وهذه النظرة النابعة من رؤيتهم الذاتية لأنفسهم، هي التي دفعتهم لإطلاق أكثر من اسم على هذه البلاد.

يرجع السبب في تعدد هذه الأسماء إلى الإنسان الذي كان يسكن تلك المناطق منذ القدم، حيث استقى تلك الأسماء من خلال رؤيته للمناظر الطبيعية المتعددة التي تتميز بها أرضه التي يعيش عليها، ومنذ ما يقارب من تسعة آلاف سنة عرف الناس في شمال حوض النهر الأصفر استئناس الأبقار وصيد السمك، وبدأت تتعدد طرق إنتاج الطعام، وفي الوقت نفسه بدأ الصينيون زراعة الأرز في حوض نهر اليانجتسي في جنوبي الصين الذي يعد أطول نهر في الصين، ودفعت الثورة الزراعية إلى إنشاء النظم الأكثر تعقيداً في القبائل البدائية، فظهر تماشياً معه تقسيم العمل في المجتمع والانقسام الطبقي والتحسن الهائل في الإنتاجية.

تكشف الحفريات عن آثارهم في بكين، حيث عثر على بقايا إنسان تعود إلى نحو 50 ألف سنة، وقد أطلق عليه العلماء «إنسان بكين»، وقد تمكن من صنع الأدوات البسيطة من الحجر، كالفأس التي استعملت للصيد، واستخدم الإبر العظمية لخياطة جلود الحيوانات للملبس، وعاش على صيد الحيوانات والأسماك والثمار، وكان باستطاعته أن يوقد النار، والتي يرجح أنه حصل عليها أولاً من حرائق الغابات الطبيعية.

أما في العصر الحجري الحديث فتطور المجتمع البشري إلى حد كبير، حيث لم يتعلم الإنسان الحديث فقط صقل الأدوات الحجرية الجديدة وتطويرها، بل أتقن أيضاً تقنيات الزراعة، وتدريجياً تعلم رعاية الآخرين واستئناس الكائنات، ومع تطور تقنيات الإنتاج، خضع أسلوب الحياة البشرية لتغيرات هائلة، فقبل سبعة آلاف سنة نشأت قرى زراعية في أجزاء مختلفة من الصين، وبدأ الإنسان بتكوين علاقات اجتماعية والعيش بشكل جماعي، ما أدى إلى ظهور تقسيم العمل لديهم، وعرفوا بناء الأسوار والمنازل والإنتاج.

هذا الكتاب استعراض موجز لتاريخ الصين منذ ما قبل التاريخ حتى يومنا هذا، ويتميز بالشمول والتتبع التاريخي لتوسعها الجغرافي وتطورها الحضاري التدريجي، ويستقرئ مسيرة الشعب الصيني الملحمية في التغلب على ما واجهه من صعوبات أثناء تحوله من مجتمع العشيرة إلى نشوء البقات الاجتماعية مروراً بتأسيس أول مملكة في الصين، ثم تفكك المجتمع العبودي، ليحل محله مجتمع جديد يقوم على الإقطاع، وانتشار المدارس الفكرية، وظهور ست قوى عظمى سياسياً على هيئة دويلات متحاربة، ما لبثت أن توحدت في إمبراطورية واحدة، ترسخت عبر تنظيم بيروقراطي، وتقسيم البلاد إلى أقاليم ومقاطعات، وتنفيذ شبكة طرق تمتد من العاصمة إلى أقصى حدود الإمبراطورية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ayh4an44

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"