إغاثة مقيدة بالنار

00:29 صباحا
قراءة دقيقتين

لم يكن قتل موظفي «المطبخ المركزي العالمي»، مؤخراً، سوى حلقة من حلقات مسلسل إسرائيلي طويل لا يزال مفتوحاً على مطاردة واستهداف كل العاملين في المجال الإنساني ومقدمي المساعدات لسكان قطاع غزة الذين يرزحون تحت عبء الحصار والتدمير والقتل العشوائي لإشباع غريزة الانتقام ودفع الفلسطينيين إلى الهجرة من وطنهم.

ربما يكون الدافع الأكبر لهذا الانتقام الإسرائيلي الجنوني واستهداف كل شيء في قطاع غزة من بشر وحجر وشجر، وجعله غير قابل للحياة، هو الفشل الحقيقي في تحقيق أهداف الحرب التي دخلت شهرها السابع رغم أدواتها غير المتماثلة.

يُسَجل للمنظمات الإغاثية الإنسانية والهيئات الأممية والدولية، أنها رفضت مغادرة قطاع غزة رغم استهدافها الممنهج منذ بداية الحرب، وخسارتها أكثر من 200 عامل في المجال الإنساني، وهي لا تزال ترفض المغادرة مع اشتداد وطأة المجاعة في كل أرجاء القطاع.

لكن المؤلم، وللمفارقة، أن مقتل هؤلاء ومعهم عشرات آلاف الفلسطينيين، جلهم من الأطفال والنساء، لم يثر حفيظة الغرب، وتحديداً واشنطن، بقدر ما أثاره مقتل سبعة من موظفي الإغاثة الأجانب، بسبب السياسات العنصرية وازدواجية المعايير التي ينتهجها ذلك الغرب المتحضر. المأساة الحقيقية هي أنه بينما يفترض إسكات النار في كل المناطق، لكي تتمكن منظمات الإغاثة من التحرك ضد المجاعة، لكنها أصبحت ساحات مفتوحة لإطلاق النار، كما يعبّر أحد عناصر منظمة «أوكسفام»، ما يجعل هذه المنظمات أمام واقع صعب ويدفع بعضها لتعليق عمله ولو مؤقتاً. ومع ذلك، فإن أولوية حماية منظمات الإغاثة الدولية وتمكينها من العمل عادت إلى الواجهة، بعد استهداف موظفي «المطبخ العالمي»، وفي ظل المجاعة والانهيار الشامل للمؤسسات المدنية في القطاع.

معظم هذه المنظمات ترى أن استمرار مهمتها بات مستحيلاً، من دون توفير الحماية اللازمة، وأن هذه الحماية تقع على عاتق إسرائيل، بالدرجة الأولى، وإن كان ذلك لم يعد كافياً، بعد أن أثبتت إسرائيل، أنها فوق القوانين والمواثيق الدولية، وفوق الأمم المتحدة ومؤسساتها، بما في ذلك محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن، بفضل الحماية الأمريكية والغربية عموماً.

غير أن هناك من يرى أن إسرائيل يمكن أن تتراجع عن مواقفها وممارساتها إذا ما تم رفع الحماية الغربية عنها، أو ممارسة ضغوط جادة عليها، كما حدث مؤخراً في مكالمة الثلاثين دقيقة بين بايدن ونتنياهو، والتي انتهت بما يشبه الانقلاب الدراماتيكي بشأن إدخال المساعدات إلى غزة، وغيرها من القضايا المتعلقة بمفاوضات الرهائن ووقف إطلاق النار، رغم كل المناورات التي قد يلجأ إليها نتنياهو. بمعنى أن الضغوط الدولية الجادة يمكن أن تثمر، وأن واشنطن وحدها قادرة، عندما تريد، على إرغام إسرائيل على وقف الحرب ووقف الإبادة الجماعية، إذا ما أشهرت أسلحتها الفعلية من نوع وقف تزويدها بالسلاح ورفع الحماية عنها في المحافل الدولية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2azbe9mz

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"