ذوبان ثروة أوروبا

22:52 مساء
قراءة 4 دقائق

أندرو هاموند*

إذا حكمنا من خلال مقدار الوقت الذي تخصصه وسائل الإعلام لحدث ما، فمن السهل الاستنتاج أن التحدي الأكبر الذي يواجه أوروبا في الوقت الحالي هو حرب أوكرانيا. لكن العديد من كبار القادة السياسيين في عموم القارة يدركون بأن المشكلة أكثر أهمية وأطول أمداً، وتتمثل بالانحدار الكبير للقدرة التنافسية الاقتصادية لأوروبا مقارنة بالقوى العالمية الرئيسية الأخرى، وخاصة الولايات المتحدة.

ففي عام 2008 بلغت قيمة اقتصاد الاتحاد الأوروبي 16.2 تريليون دولار، وهو ما يفوق اقتصاد الولايات المتحدة الذي سجل آنذاك 14.7 تريليون دولار. لكن بحلول عام 2023، نما الاقتصاد الأمريكي إلى أكثر من 25 تريليون دولار، في حين بلغت القيمة المجمعة لاقتصادات الاتحاد الأوروبي ومعها المملكة المتحدة حوالي 20 تريليوناً فقط. الأمر الذي خلط أوراق الاقتصاديين حول حجم التحدي الذي يمثله هذا لأوروبا.

ويرى البعض، مثل إيزابيل شنابل، عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، أن هذه أزمة ذات طبيعة بنيوية. فيما يعتقد آخرون أن المشاكل أقل خطورة، رغم وضوح التراجع الأوروبي في قوائم أكبر شركات التكنولوجيا العالمية، أو الجامعات الرائدة في العالم، أو القدرات التصنيعية لأشباه الموصلات.

وتتمثل إحدى المشاكل الرئيسية في وجود خلافات كبيرة حول الأسباب التي تدفع تحديات القدرة التنافسية للكتلة. وهذا يعني أن الأشخاص المختلفين يعلقون أولويات مختلفة على قائمة طويلة من المشاكل، بما في ذلك إنتاجية العمل الثابتة، والفشل في مطابقة مستويات الاستثمار في الولايات المتحدة من قبل القطاعين الخاص والعام، وعدم تحقيق مكاسب أكبر في الكفاءة الرقمية، بالإضافة إلى تفتت الأسواق المالية الأوروبية وتنظيمها، ما يجعل المنطقة أكثر عرضة للضغوط الخارجية.

وبخصوص النقطة الأخيرة، قد يصبح المشهد الخارجي أقل ملاءمة لأوروبا في السنوات المقبلة. فمن الناحية الجيوسياسية على سبيل المثال، تستعرض الصين وروسيا عضلاتهما بشكل متزايد في المنطقة، في حين قد تؤدي رئاسة ترامب الثانية إلى تفتيت التحالف الأمني الغربي بعد عام 1945.

كما لا يمكن استبعاد المزيد من الصدمات الاقتصادية. والمشكلة، كما يؤكد فرانسوا جيرولف من المرصد الاقتصادي الفرنسي، هي أنه مع كل أزمة جديدة، يبدو أن أوروبا تخسر بشكل دائم بضع نقاط من النمو الاقتصادي لصالح الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، ليس من الواضح ما إذا كانت القارة العجوز قادرة على استعادة شبابها فيما يخص ميزتها التنافسية الاقتصادية. ومع ذلك، هناك إجماع على ضرورة معالجة المنطقة لهذه القضية بشكل عاجل.

ولهذا السبب، كلفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الخبير الاقتصادي ورئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي، بإعداد تقرير حول هذه المسألة ذات الأولوية القصوى.

ويعتبر دراجي محافظ البنك المركزي الرائد في جيله، وقد اكتسب سمعته في عام 2012 في وقت بدا فيه أن مستقبل العملة الأوروبية الموحدة في خطر. وقد نجح بفعل كل ما يلزم لإنقاذ اليورو، وتغيير معنويات السوق من خلال التعهد بالتدخل على نطاق واسع للدفاع عن العملة، وتأسيس صندوق إنقاذ كبير لمعالجة أزمة الديون وعدم الاستقرار.

ورغم أنه قد لا يكمل تقريره قبل النصف الثاني من هذا العام، ألمح دراجي بأن أوروبا تشهد تغيرات هائلة، مع احتمال تحول ثلاث من الركائز الأساسية التي استندت عليها المنطقة لفترة طويلة، وهي «الطاقة الروسية»، و«الصادرات الصينية»، و«المظلة الأمنية الأمريكية»، وإن اختلفت أسباب كل منها.

وبناء على ذلك، يعتقد الأخير أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى اتخاذ إجراءات جريئة وحاسمة، من خفض أسعار الطاقة إلى تقليل الأعباء التنظيمية. ويرى أيضاً أن هناك حاجة إلى استثمارات ضخمة في التحولات الخضراء والرقمية؛ حيث يقدر أن فجوة التمويل بين أوروبا والولايات المتحدة من حيث الاستثمار في هذه المجالات تعادل حوالي نصف تريليون يورو سنوياً، ثلثها تقريباً مال عام.

على الجبهة الرقمية، هناك خطر من احتمال فشل المنطقة في الاستفادة من التطور الثوري للذكاء الاصطناعي والتقنيات الكمومية، وهو ما يعكس إخفاقاتها خلال ازدهار تكنولوجيا الإنترنت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وفيما يتعلق بالتحول الأخضر، يركز الاتحاد الأوروبي بشكل كبير على الصفقة الخضراء الأوروبية. ومع ذلك، فإن هذه الطموحات لا يقابلها دائماً توفير الموارد المناسبة. وعلى الجانب الآخر من الأطلسي، يُنظر إلى قانون واشنطن للحد من التضخم بقيمة 369 مليار دولار على نطاق واسع على أنه يغير قواعد اللعبة، في حين تواصل بكين تقديم دعم حكومي كبير للشركات المحلية.

وعليه، تمر أوروبا بمنعطف حرج، ومن غير الواضح ما إذا كانت قادرة على التصرف بشكل حاسم بشأن هذه الأجندة، والتعامل مع الأزمات المستمرة الأخرى، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا. وتتمثل الخطوة الرئيسية التالية في حشد إجماع سياسي واسع النطاق حول حزمة جريئة من الإصلاحات، مدعومة بالتمويل اللازم لتحقيقها.

* زميل في مركز أبحاث السياسة الخارجية

التابع لكلية لندن للاقتصاد «أوراسيا ريفيو»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc7v7k3k

عن الكاتب

زميل في كلية لندن للاقتصاد

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"