النقد والفوائد والأسواق

21:51 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة*

بالرغم من المخاطر التي تواجه الاقتصاد الأمريكي ونقده، أي الدولار، لا نر ازدهاراً للنقد الصيني على المستوى العالمي كبديل تصدره دولة كبرى. دور اليوان الصيني لم يظهر بعد بقوة في الإحصاءات العالمية، إذ إن أرقام استعماله ما زالت خجولة. هنالك دلائل تشير إلى أن حتى الدول الآسيوية لا ترغب في إعطاء هذه الأهمية للنقد الصيني، بل تريد تطوير عملاتها على الساحة الدولية.

بقيت الاستثمارات الدولية منخفضة نسبياً، ليس بسبب ضعف الادخار فقط، بل بسبب العوامل الديموغرافية والتكنولوجية. في الأولى، انخفاض نسبة المواطنين العاملين من المجموع في الدول الصناعية أسهم كثيراً، كما أن عدم استبدال التكنولوجيا القديمة بالجديدة بسرعة، أسهم في بقاء الخيارات الاستثمارية محدودة. لذا لم ترتفع الإنتاجية العامة دولياً بسرعة منذ سنة 2000، ما أثر في الخيارات الاستثمارية.

وقدوم «الكورونا» فرض أيضا الانكفاء وأثر كثيراً في عمليات الإنتاج والعرض، وبالتالي، في الأسعار صعوداً. ومن السلع الأساسية التي تأثر عرضها، حليب الأطفال وسلع الوقاية الصحية وبعض القطع في صناعة السيارات، وغيرها. ولأن التضخم ينبع بقوة من الطلب الذي تؤثر فيه الفوائد، كان من المتوقع، وكما قال الاقتصادي «جوزيف ستيغليتز»، أن ترفع الفوائد بانتظار تطورات جديدة مضيئة. في كل حال، وجود عدة عملات في الاقتصاد الدولي لا يخدم التجارة والاستثمارات الدوليين، علماً بأن هنالك استحالة عملية للوصول إلى نقد واحد عالمي، أو إلى عدد قليل.

التضخم عمّ العالم أجمع، منذ الحرب الأوكرانية، ليس بسبب الغذاء والنفط فقط، بل أيضاً بسبب العقارات، أي توجه الأسر لشراء شقق أكبر لتسهيل العمل من المنزل منذ «الكورونا». وهنالك عدم رغبة واضحة من قبل الموظفين، في العودة إلى المكاتب كالسابق، لأن البقاء في المنزل مفيد للإنتاجية، ويخفف مخاطر النقل. ورفع الفوائد لمحاربة التضخم أثر سلباً في الاستثمارات، وهنالك تردد واضح من قبل المصارف المركزية لتخفيضها، خوفاً من تفاقم التضخم مجدداً.و تنبه المؤسسات الدولية إلى مأزق الخيار بين التضخم والركود، وهذا محيّر للحكومات.

مشكلة التضخم الأساسية هي احتمال تأثير مؤشرات الأسعار المرتفعة في توقعات المواطنين، ما يجعل مهمة المصارف المركزية أصعب. هذا يفسر سرعة زيادة الفوائد سابقاً من قبل المصرف المركزي الأمريكي، ثم المصارف الأخرى، كما اليوم، والتردد في تخفيضها تشجيعاً للاستثمارات. وتعتمد الدول سياسة توازن المخاطر التي تبقى صعبة حتى في ظروف عادية، فكيف اليوم مع الوضع الأوكراني، والحرب في غزة، والمواجهة الأمريكية الصينية والأوضاع العالمية المقلقة؟

عموماً، تتأثر الأسواق المالية سلباً بسياسات المصرف المركزي الضاربة للتضخم، أي انخفاض الاستثمارات، ولجوء المواطنين إلى الأصول القليلة المخاطر، كالذهب والسندات. لا نتوقع سقوط الأسواق في 2024 بسبب الحروب والتخبط في ممارسة السياسات، لأن التكنولوجيات الجديدة من ذكاء اصطناعي، وماكينات فاعلة، وحواسب منتجة، ترفع الإنتاجية. في الوقت نفسه، تتأثر الأسواق إيجاباً بالأصول المشفرة والرقمية الجديدة التي توسع الخيارات لمن يعشق المخاطرة.

*كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4tryej2s

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"