توترات عالمية مثيرة للقلق

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

مثلما كان متوقعاً، أثارت الاتفاقية الدفاعية التي تنص على قيام الولايات المتحدة وبريطانيا بتزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية بدل الطاقة التقليدية، حفيظة الصين واتهمت الدول الثلاث بإثارة الانقسام وزيادة خطر الانتشار النووي في منطقة جنوب المحيط الهادئ، في وقت تبدو فيه العلاقات بين الغريمين العالميين، بكين وواشنطن، في أسوأ حالاتها، رغم المحاولات اليائسة لتلطيف الأجواء.

الأوضاع في المحيط الهادئ، على غرار بحر الصين الجنوبي، لن تهدأ، على الأرجح، في المستقبل القريب، وهي تتصل بفضاء جيواستراتيجي واسع النطاق يمتد شمالاً إلى تايوان وشبه الجزيرة الكورية وبحر اليابان، وغرباً إلى أوكرانيا، التي تشهد حرباً ممتدة بين روسيا والقوى الغربية، مروراً بالشرق الأوسط الذي يشهد تطورات دراماتيكية. وكل هذه المناطق تشهد أزمات مترابطة وتعرف تواصلاً بعيد الغور، وتلتقي في السطح في المواجهة القائمة بين المعسكر الغربي وخصومه. فمنذ فترة ليست بالقصيرة، يسلط الخبراء الاستراتيجيون أنظارهم إلى ما يعتمل في جنوب شرقي آسيا من أزمات متفاعلة، ومن علاقات متوترة جداً بين بكين من جهة، وواشنطن وحلفائها الإقليميين. ومثلما بلغت التوترات السياسية والأمنية درجة الغليان، التي تتجلى في السباق الكبير على التسلح وحشد الأساطيل وبناء التحالفات، هناك حرب تجارية محتدمة بين الولايات المتحدة والصين، حاولت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، التي زارت بكين مؤخراً، تهدئتها، وعادت خالية الوفاض من أي نتائج حاسمة بشأن ما سمتها «الممارسات الاقتصادية غير العادلة»، في ظل التوجس من زيادة الصادرات الصينية إلى أسواق العالم مقابل التراجع الكبير للصادرات الغربية. وفي ضوء حالة «عدم اليقين» بشأن الاقتصاد العالمي، يواجه الدولار الأمريكي وضعاً ضبابياً، بينما تتهافت البنوك المركزية على تعزيز حيازاتها من الذهب كملاذ آمن وتقليدي في ظاهرة تنذر بأن سيناريوهات وخيمة يمكن أن تفرض نفسها على المشهد العالمي في المستقبل القريب.

أغلب المراقبين يعتقدون أن التوترات الجيوسياسية تتصاعد في أكثر من نقطة حول العالم، وتبقى منطقة جنوب المحيط الهادئ خطرة بسبب التنافس الكبير بين الصين والحلفاء الغربيين للهيمنة على الدول الجزرية الصغيرة قليلة السكان والغنية بالموارد الطبيعية، مثل بابوا غينيا الجديدة وجزر سليمان. ولأنها تقع في موقع استراتيجي، فإن من يسيطر عليها سيحسم معركة النفوذ في تلك المنطقة، التي شهدت مؤخراً سلسلة من التدريبات والمناورات المتنافسة بين الجيش الصيني المتعاون مع روسيا، والقوات الأمريكية وحليفاتها في المحيطين الهادئ والهندي.

ما يشهده العالم على طول أزماته المشتعلة والخامدة من تنافس شرس، وقدرات قتالية متقدمة باستخدام الذكاء الاصطناعي وتطوير المسيّرات الطائرة والعاملة تحت سطح الماء وصواريخ فرط صوتية، يدفع إلى مزيد من القلق على الأمن والسلم الدوليين، ويؤكد أن تهميش المنظمات الدولية وقوانينها وأطرها سيفضي إلى فراغ كبير تملأه النزاعات والأزمات. وأكبر الأدلة على هذه الحال، ما يشهده مجلس الأمن من عجز وفشل في أداء دوره في استعادة الاستقرار، فهذا المجلس أصبح وكأنه ذكرى من الماضي، إذ لم يعد له هيبة أو صوت، والسبب في ذلك أنه لم يعد يعبر عن هذه المرحلة من التاريخ المعاصر، ويشير إلى بداية تشكل حقبة جديدة تظهر تجلياتها في الصراعات الدائرة والمفتوحة على المجهول.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3hrfxv76

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"