عن المؤلف
تروي فيتيس مؤرخ بيئي وزميل ماكس فيبر في معهد الجامعة الأوروبية.
في عصر يعج بالتحديات البيئية الملحّة، يقدم هذا الكتاب نظرة جديدة وجريئة لمستقبل كوكبنا، ويعاين الأسباب الجذرية لأزماتنا البيئية، ويقدم حلولاً غير تقليدية، ودعوة إلى تبنّي مقاربة اشتراكية لإعادة صياغة علاقتنا بالطبيعة، وضمان مستقبل مستدام للأرض.
يُعد كتاب «اشتراكية نصف الأرض: خطة لإنقاذ المستقبل من الانقراض وتغيّر المناخ والأوبئة» دراسة مميزة عن واحدة من أكثر التحديات إلحاحاً في عصرنا، وهي الأزمة البيئية. ويقترح المؤلفان رؤية مبتكرة وجذرية لمعالجة التهديدات المزدوجة المتمثلة في تغيّر المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، من خلال نموذج اجتماعي اقتصادي متجذر في المبادئ الاشتراكية.
إحدى نقاط القوة الرئيسية للكتاب هي منهجه متعدد التخصصات الذي يجمع بين العلوم البيئية، والنظرية السياسية والاقتصادية. يبدأ المؤلفان بتقديم سيناريو بائس تدور أحداثه في عام 2047، حيث أدت محاولات الهندسة الجيولوجية الشمسية إلى عواقب كارثية، بما في ذلك اضطرابات الطقس، والأضرار البيئية التي لا يمكن إصلاحها. من خلال هذا التصوير القاتم، يؤكد بيندرجراس، وفيتيس، الحاجة إلى نهج شامل ومدروس لمعالجة تغيّر المناخ وفقدان التنوع البيولوجي. ويستكشف المؤلفان مفهوم «نصف الأرض» لعالم الأحياء الشهير إي.أو. ويلسون الذي يقترح ضرورة تخصيص نصف سطح الأرض للطبيعة للحفاظ على التنوع البيولوجي.
معالجة الأزمات البيئية
في حين أن فرضية الكتاب متجذرة في المبادئ الاشتراكية البيئية، فإنها تقدم أيضاً نقداً للحلول البيئية الحالية التي تعتمد بشكل كبير على الآليات التي يحركها السوق. ويرى المؤلفان أن هذه الأساليب، التي تشمل احتجاز الكربون من الطاقة الحيوية، والطاقة النووية، والهندسة الجيولوجية على نطاق واسع، تعجز عن معالجة الأسباب الكامنة وراء الأزمات البيئية. وبدلاً من ذلك، يدعوان إلى إحداث تحول جذري في أنظمتنا، الاجتماعية والاقتصادية، الحالية، مع التركيز على الحاجة إلى التعاون العالمي، والعمل الجماعي. ويجدان أنه فقط من خلال تبنّي شكل من أشكال الاشتراكية، يمكن للبشرية معالجة الأسباب الجذرية لتغير المناخ والأزمات البيئية الأخرى.
يقول المؤلفان: «في عام 1888، كتب إدوارد بيلامي كتابه «العودة إلى الوراء»، الذي يصور فيه رؤيته لمستقبل اشتراكي متناسق في عام 2000. ومع ذلك، من الصعب مشاركة تفاؤل بيلامي عند النظر إلى الوراء من عام 2047. ورغم أن المستقبل يبدو مظلماً الآن، فإن تخيّل بدائل يوتوبية يصبح أكثر إلحاحاً لتحفيز وتعبئة الجماهير المحبطة. وأشار الاقتصادي الراديكالي ج. أ. هوبسون إلى أن كتاب «العودة إلى الوراء» قدّم الدعم الأخلاقي الأول والمحفز للمشاريع الكبيرة للإصلاح الهيكلي في الصناعة والسياسة». وبالنسبة إلينا، الاتفاق على تفاصيل ما قد تبدو عليه اليوتوبيا ليس مهماً بقدر الاتفاق على أن التخيّل هو عمل سياسي حيوي. وهذا يعني إحياء التقاليد الاشتراكية اليوتوبية التي تم تهميشها لفترة طويلة من جانب «الاشتراكية العلمية» للماركسية. فما كان في يد ماركس نقداً مدروساً للاشتراكية اليوتوبية، تحول إلى أداة للهجوم من قبل أتباعه الذين احتقروا المقترحات ما بعد الثورة، واعتبروها «وصفات لمحال الطهي في المستقبل». التقليل من شأن اليوتوبية خطأ تكتيكي لأنه يحد من قدرة اليسار على تنفيذ برنامج اشتراكي عند تولي السلطة. هناك حاجة لكتابة وصفات للمجتمع بعد الثورة، لأن الأزمة البيئية توضح أن تلك المحال يجب أن تكون نباتية. لذلك، يمكن اعتبار «اشتراكية نصف الأرض» كتاباً لوصفات مكوناً من أربعة أقسام: الفلسفية، والمادية، والتقنية، والخيالية».
رؤية مستقبلية
يمكن اعتبار الفصل الأول بمثابة «مقبّلات» رقيقة، إذ يحاول وضع الأسس الفلسفية لإيكو-اشتراكية جديدة تماماً، مثلما عمل النيوليبراليون في الأربعينات من مبادئ أولية لإحياء الليبرالية. وللقيام بذلك، يعود المؤلفان إلى عام 1798، عندما ظهرت ثلاث فلسفات متنافسة للطبيعة بشكل متزامن: فلسفات جي. دبليو. إف. هيغل، وتوماس مالتوس، وإدوارد جينر. اعتقد هيغل أن البشرية ستتمكن في النهاية من «تطبيع الطبيعة»، وهو موقف تم تبنيه لاحقاً من قبل ماركس وأتباعه. وبينما بلغ تأثير مالتوس في الحركة البيئية ذروته في الستينات والسبعينات، فإن خوفه من «الاكتظاظ السكاني» لا يزال منتشراً بين الناشطين الخضر اليوم. وجينر، الذي درس وقدم اللقاح ضد الجدري، حذر من سيطرة البشرية غير الطبيعية على مملكة الحيوان.
يبدأ المؤلفان في الفصل الثاني بعنوان «مقبّلات دافئة»، باستخدام المبادئ المطورة في الفصل الأول لاتخاذ قرارات بشأن مجموعة من الحلول بناءً على خصائصها المادية. يقولان: «نحن مهتمون بأمور مثل العائدات لكل هكتار ولكل متر مربع من مختلف الأنظمة الزراعية والطاقوية». يركزان أولاً على الحلول التي يقدمها البيئيون السائدون: التقاط الكربون الحيوي وتخزينه، الطاقة النووية، و«نصف الأرض» لويلسون. ويوضحان كيف أن هذه السياسات، حتى «نصف الأرض»، لا تكفي لعكس تدهور البيئة. لأن الطاقة، والتنوع البيولوجي، واحتجاز الكربون ليست مجالات منفصلة كما تبدو في الخطاب البيئي، ولكنها مشكلة واحدة تتوسطها ندرة الأرض. ويبينان أن «هذا الإدراك، الذي حصلنا عليه من فحص قصور هذه الحلول الثلاثة، يساعدنا على تطوير الجوانب المادية لاشتراكية نصف الأرض: النباتية، مصادر الطاقة المتجددة مع حصص الطاقة، وإعادة التوحش الكوكبية».
مشكلة عصيّة على التخطيط
ويتعمق الفصل الثالث بعنوان «الطبق الرئيسي»، في المشكلة العصية على التخطيط، وعن ذلك يعلقان بالقول: «إذا كان من الضروري منع السوق من تحويل كل شيء إلى سلعة والسيطرة على الطبيعة، وإذا كنا نعلم ما هي الأهداف المادية التي نريد تحقيقها، فكيف يمكن إذن، تنظيم الإنتاج والاستهلاك من دون سوق؟». ويستلهم المؤلفان من مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك علم التحكم الآلي والرياضيات، برنامج «سايبرسين» في تشيلي، الأرصاد الجوية، والنماذج التكاملية المستخدمة من قبل علماء المناخ اليوم.
ويركز الفصل الرابع بعنوان «الحلوى» على روايات الاشتراكية اليوتوبية. يقولان فيه: «بدلاً من التفكير بشكل مجرد في علم الوجود أو على نطاق عالمي في ما يتعلق بنماذج المناخ، نحاول تخيل الحياة اليومية في ظل اشتراكية نصف الأرض. كيف سيكون العمل من دون تهديد البطالة؟ كيف سيعمل التنسيق الاقتصادي من دون المال أو السوق؟ ما هو الشعور بالعيش في عالم يمكن للطبيعة أن تتعافى فيه لأن نصف الكوكب قد تمت فيه إعادة التوحش؟ ما معنى العيش في مجتمع حيث الاقتصاد مضبوط بوعي وديمقراطية؟».
يشير المؤلفان في نهاية العمل إلى أنهما يأملان أن تكون «اشتراكية نصف الأرض» رؤية للمستقبل، بحيث تتطور إلى بديل كامل للرأسمالية، يتضمن كل شيء من خطة لتخصيص الموارد إلى تصور لكيفية الشعور بالحياة. ويقولان: «ندعو الجميع من جميع المناهج التحررية للانضمام إلينا في «المطبخ الثوري» للتفكير في وصفات جديدة والعمل معاً لتحقيقها. في الحقيقة، نحتاج إلى العديد من المساهمات التخيلية على الأفق السياسي قبل أن يكتسحها ضباب كبريتي، ويصبح المستقبل غامضاً مثل السماء الرمادية الثابتة للهيمنة النيوليبرالية».